محمود أحمدي نجاد، الآتي من «الباسيج»، هزم بفارق سبعة ملايين صوت أحد تاريخيي الثورة الايرانية هاشمي رفسنجاني. ونجح، كذلك، في إرجاع ايران الى ما قبل تجربة الاصلاحي العاجز محمد خاتمي التي بدأت في 1997، وربما الى ما قبل انجازاته البالغة التواضع. بل نجح، في تقدير البعض، في العودة بإيران الى فجر العهد الثوري الخميني عام 1979.

وفي ما قد يطلَق عليه من الآن فصاعداً «النجادية»، ترتسم ملامح فاشية ربما كانت أقرب زميلاتها في «العالم الثالث» الى الأصل الأوروبي. فالتوجهات التي يوصف بها الرئيس الجديد، والارثوذكسية الايديولوجية والحميّة النضالية اللتان ينطوي عليهما، ومخاطبة النعرة القومية حيال الخارج الغربي، تنعقد على الشعبوية التي يرفعها في وجه الفساد معطوفةً على الشعبوية التي استقبله بها «الفقراء» والمهمّشون. وهذه وتلك تتجاوران مع انكشاف الحدود السياسية التي تستطيعها الطبقة الوسطى، ويستطيعها التحديث، فيما الخطوط مفتوحة بين القوى السلطوية والميليشيوية الموازية التي خرج منها نجاد وبين الدولة التي حُمل الى ذروتها.

ولئن شكل الانتخاب نكسة لتطلعات النساء والشبيبة والمثقفين، بعد احباطهم بالتجربة الخاتمية التي أفضت بهم الى التفتت، فهو قد يتسبب بنكبة في ما خص قضايا بالغة الخطورة: يندرج في الاطار هذا موضوع السلاح النووي وتطويره، والمزيد من الارتفاع في أسعار النفط، والاحتمال المرجح في الامعان بتوتير الأوضاع الاقليمية في العراق والخليج وربما لبنان وفلسطين.

واذا افترضنا ان صعود أحمدي نجاد آخر «الردود» على «الامبريالية الاميركية» واجهتنا مجدداً الحقيقة اياها، وهي ان راديكاليي «العالم الثالث» لا يملكون رداً على ما يواجههم من تحديات الا الرجوع الى ما سبق تجريبه ولم يعد الا بالضرر على البلد والشعب المعنيين. وهي معضلة تتعدى الخطل السياسي الى القحط الثقافي الذي يعززه الالتفاف الشعبي حوله بقدر ما يشحذ شفرته.

وإذا ما وضعنا جانباً المكاسب الانتخابية التي جناها «حزب الله» والاحتياطي الانتخابي لـ«حركة حماس»، بقيت الحالة الزيمبابوية الأبرز والأشد دلالة في هذا الباب. فروبرت موغابي الذي عزز شعبيته كقائد تحرر وطني بمصادرته أملاك البيض، يجلي الآن الآلاف من سكان الأحياء الفقيرة في العاصمة هراري، مستكملاً حملته التي يسميها «إبعاد القمامة»، مستعيناً عليهم بالجرافات التي داست، حتى الآن، جثتي طفلين. لكن نظامه الذي يمارس إحدى أعلى النسب العالمية في اعتماد التعذيب والقتل المتعمد وتصفية الخصوم، يحظى بدعم داخلي لا يستهان به وبالتفاف القادة الأفارقة، لا سيما منهم ثابو مبيكي، حوله. أما السبب فمرده الى المرارة حيال الماضي الاستعماري! وهي المرارة التي سلّحت موغابي فمكّنته من إنهاء القضاء المستقل، وتدمير البُنية التحتية الزراعية، وكانت الأفضل في افريقيا، واغلاق الصحافة الحرة، وطرد الصحافة الأجنبية، واضطهاد أقلية نديبيل في ماتابيليلاند، وإنزال المجاعة بالزيمبابويين عموماً.

لكن الوجه الآخر للمأساة ان «الانتخابات» التي يريدها نجاد وموغابي ثأراً من «الغرب»، ولو مروراً بالثأر من النفس، هي نفسها ما تقترحه الادارة الاميركية الحالية علاجاً للمشكلات. وعلى هدي هذا التصور كانت الانتخابات العراقية التي يقال لنا الآن انها لن تحول دون حرب قد تستمر 12 عاماً.

ألا يستدعي هذا التلاقي بين فهمين تافهين لـ«الديموقراطية» بعض التأمل، خصوصاً أن الكثير من السياسات الغربية تعزز اعتماد الانتخابات أداة ثأرية؟

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)