طفت العالم العربي من دمشق إلى الرباط، فوجدت الناس متلبسين بنظرية المؤامرة مقتنعين بها، مؤمنين بها إيماناً كإيمان العجائز، موقنين بفرضيتها يقيناً لا يخالطه شك! وحيث حلت المؤامرة في عقلية الشرق، فلابد أن تحضر الولايات المتحدة، الشيطان الأكبر، بخيلها ورجلها!

قال لي سائق أجرة مغربي إن أسامة بن لادن صنيعة أميركية وإنه عميل لواشنطن، وإنك ربما وجدته اليوم أو غداً يتقلب في ضواحي بيفرلي هيلز أو يتشمس في سواحل سان دييجو، وعجبتُ لماذا لم يقل يستمتع بألعاب ديزني لاند في أورلاندو؟

وقبلها بزمن ليس بعيداً كان ستيني شامي يؤكد لي أن صدام حسين هو لاعب أساسي في مسرحية سياسية مخرجها جهاز الاستخبارات الأميركي “CIA”، ومنتجها مكتب التحقيقات الفيدرالي “FPI”، ومؤلفها البيت الأبيض، ولا أدري هل قال إن البنتاغون كان المنتج المنفذ، أم أنه اعتبره الملقن الذي يفتح على الممثلين إذا داهمهم النسيان أو خرجوا عن النص!

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لو عثرت بغلة في العراق لظننت أن الله سيسألني عنها. لكن أفكارنا المؤامراتية تقلب الآية وتجعل من أميركا عمراً مسؤولاً عن تعثر البقر في بلادنا، وانتشار التخلف، وشيوع الجهل، وتعميم الكسل.

قبل عامين كنت أقرأ تقريراً نشرته صحيفة سعودية نقلاً عن دراسة ميدانية أجراها دكتوران لمعهد الإدارة العامة، وهو معهد حكومي يهتم برفع الكفاءات الإدارية: يتغيب 69 في المئة من موظفي الحكومة في السعودية دون عذر، طبقا للدراسة العلمية التي شملت 181 جهازاً حكومياً.

الدراسة كشفت أن نصف موظفي الحكومة يتأخرون عن أعمالهم. وقال أفراد عينة الدراسة الذين بلغ عددهم2365 موظفاً إن الإجراءات الإدارية التي تتخذ بشأن المتسيبين غير مجدية وتتركز على الجانب الشفهي.

أما مغادرة الدوام قبل انتهاء ساعات العمل فظهر أن 7 في المئة يغادرون قبل 3 ساعات من نهاية الدوام، فيما يغادر نحو 12 في المئة منهم قبل أكثر من 3 ساعات، وأكثر من 21 في المئة يغادرون قبل أقل من ساعتين، أما النسبة العظمى وهم 59 في المئة فهم ولله الحمد حريصون على مصلحة الوطن، من خلال حرصهم على مصلحة العمل، لأنهم يغادرون قبل ساعة واحدة فقط من انتهاء ساعات الدوام الرسمي.

وخلال الدوام يخرج 41 في المئة أقل من ساعة ثم يعودون إلى العمل، فيما 33 في المئة يخرجون من العمل لمدة تتفاوت بين ساعة وثلاث ساعات، أما الذين يخرجون ثلاث ساعات فأكثر فمن فضل الله علينا أن نسبتهم لا تتجاوز 26 في المئة.

الجريدة اصطلحت على تسمية المتسيبين بـ“المزوغين”، وأذكر أننا كنا نسميهم أيام الدراسة بـ“الفاركين”، وهؤلاء قالت الدراسة إن نسبتهم تبلغ 54 في المئة.

الباحثان أكدا من خلال دراستهما التي شملت مناطق المملكة كافة عدم انتظام الموظفين من خلال التأخر عن الحضور إلى العمل صباحاً، الخروج من العمل والعودة إليه قبل نهاية الدوام، مغادرة العمل قبل نهاية الوقت المحدد، والغياب كلياً عن العمل.

الموضوع كان العنوان الرئيسي للجريدة السعودية يوم القمة الخليجية الـ24 التي عقدت في الكويت في ديسمبر 2003، والسعودية التي شملتها دراسة جريئة من هذا النوع، تمثل أنموذجا لأداء الموظفين في دول الخليج العربية خصوصاً، والدول العربية والإسلامية من حيث العموم.

التفت إليّ الزميل عثمان العمير مشيراً الى الموضوع، وقال: هذه مؤامرة أميركية، تدعو إلى تخلفنا إدارياً.

مصادر
الاتحاد (الإمارات العربية المتحدة)