عندما نفحص ما يجري اليوم في الضفة وغزة، يمكن التفكير بطرح السؤال الآتي: أليس من المجدي البدء في الاشتياق لعرفات؟
صحيح أن عدد العمليات انخفض منذ وفاته، إلا أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ترجع الفضل في ذلك إليها، وليس الى الفلسطينيين؛ فالاستخبارات الإسرائيلية تحسنت، وتم بناء أسيجة وأسوار فضلاً عن اعتقال الآلاف. ومع ذلك، يمكن ملاحظة ارتفاع ملموس في العمليات خلال الأسابيع الأخيرة، على الرغم من النوايا الحسنة للرئيس الجديد محمود عباس. على هذه الخلفية، ثمة إسرائيليون كثيرون سيقولون: ما الذي يهمنا من النوايا الحسنة. فأبو مازن يريد تصفية الإرهاب لكنه لا يستطيع. بينما عرفات كان يستطيع فعل ذلك لكنه لم يرد. والنتيجة عند الإثنين واحدة: يوجد إرهاب، إذاً ما الفارق؟
يوم الجمعة الماضي قامت الشرطة الفلسطينية بحملة عسكرية أمام وسائل الإعلام لاحقت خلالها مجموعة من المسلحين كانت أطلقت النار قبل يومين على مركز للشرطة في جنين وقتلت أحد رجال الشرطة. وبنتيجة هذه الحملة تم اعتقال عشرة مسلحين؛ لكن هذا النجاح الذي حققته الشرطة لم يساعد كثيراً في تغيير الشعور القاسي الذي يسود مناطق السلطة الفلسطينية منذ مدة. وحظي هذا الشعور بتسمية "الفاءات الأربع"، نسبة الى حرف الفاء التي تبدأ بها الكلمات الأربع الآتية: فساد، فوضى، فلتان وفتنة. فعند عرفات كان يوجد شيء ما من كل هذه الأمور، لكن ليس بالقدر الموجود الآن في أيام أبو مازن.
هذه الأمور كانت معروفة منذ اليوم الذي انتُخب فيه أبو مازن رئيساً للسلطة. فهو ليس شبيهاً لعرفات، كما أنه لم يرد أن يكون كذلك. فهو لم يكن في أيامه بطلاً ولا مقاتلاً، لا صاحب كاريزما ولا رمزاً للأمة. قيل أنه مكلّف بتنفيذ مهمة لا بتحقيق حلم. فزعيم بمثل هذه الصفات يمكنه ترجمة ضعفه الى قوة سياسية: يستطيع أن يكون برغمائياً، منطقياً، من دون أن يجثم على كاهله العبء الذي يجثم على الزعيم المليء بالرمزية المقيّدة.
على سبيل المثال، عرفات كرئيس للسلطة لم يزر القدس أبداً. فحكومات إسرائيل لم ترد أن يزورها، وهو أيضاً اعتقد أنه من غير الصحيح زيارة المدينة التي ستكون عاصمة لدولته، في الوقت الذي ترزح فيه تحت الاحتلال.

في المقابل، قال أبو مازن أنه لا يولي أي أهمية للمكان الذي سيجري فيه لقاؤه الأول مع رئيس الحكومة آرييل شارون. وأوضح أنه "المهم بالنسبة إليّ مضمون اللقاء لا مكانه". وبناء لذلك التقى الرجلان الأسبوع الماضي في منزل شارون بالقدس، ولم يتأخر الانتقاد في الصدور. فقد قال الناطقون باسم حماس لا يكفي الضرر الذي يتسبب به أبو مازن من خلال مسارعته للقاء شارون، بل أنه يوافق أيضاً على عقد اللقاء في القدس فيمنح بذلك اعترافاً بالادعاء الإسرائيلي أن القدس عاصمة إسرائيل.

ونهاية هذا الأسبوع سيسافر أبو مازن وزملاؤه من قيادة فتح من رام الله الى عمان لعقد لقاء هام مع قيادة الحركة. وتحدد اللقاء في الأردن بهدف تمكين فاروق القدومي واثنين آخرين من زملائه الذين يرفضون الدخول الى مناطق السلطة، من المشاركة في الاجتماع. وسيبحث المجتمعون اقتراح تعيين القدومي نائباً لأبو مازن في قيادة السلطة واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. وتجدر الإشارة الى أن عرفات لم يوافق يوماً على تعيين نواباً له. فهو كان يتمتع بقوة سياسية يفتقدها أبو مازن. وعندما ينضم الى الضغط الإسرائيلي قيادة فلسطينية ضعيفة، تكون النتيجة فوضى سلطوية في الضفة وغزة

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)