مهرجان الأمس “معرض الأمس” “احتفال الأمس”. “عملية العلاقات العامة التي نظمتها يد معلم في هذا المجال”.

“شو على الطريقة الأمريكية” كان من المهم أن يقابل المرء المسؤولين والعاملين في الاتحاد الأوروبي غداة المؤتمر الدولي حول العراق ليسمع هذه التوصيفات الساخرة، التي منها ما صدر في صحف الصباح ومنها ما اختص بأروقة المفوضية. فبعد ان انتهى الاحتفال ورحلت الكاميرات والمسجلات وقف الجميع امام الحقيقة.. يعرفون ان المهرجان الكبير الذي حصل برعاية أمريكية أوروبية لم يكن الا احتفالا شكليا دفعت اليه أوروبا بشكل مفتعل ومفاجىء ومن دون ان تكون مهيأة لذلك، ويعترفون بأن الفكرة لم تكن فكرتهم ولم تناقش مع الأمريكيين، إذ ان الرئيس بوش لم يطرحها خلال زيارته الاخيرة إلا في الدقائق العشر الاخيرة واضعا نظراءه الأوروبيين امام خيار: خلال عشر دقائق، إما نعم وإما لا.

الادارة الجيدة في المفوضية اختارت النعم لأكثر من سبب براغماتي وواقعي:

- أول هذه الاسباب، ان أوروبا تعيش مرحلة ضعف حقيقي بعد اللا الفرنسية للدستور الأوروبي، والتي استدعت لاءات اخرى، لم تكن بريئة من فشل القمة الأوروبية الاخيرة.

- وثانيها ان التوسيع الذي شهدته المجموعة الأوروبية جعل كفة مؤيدي الخط الأمريكي الاطلسي المتمثل في المحور الأمريكي البريطاني، ترجح على كفة مؤيدي الخط الداعي الى الاستقلالية عن الولايات المتحدة الأمريكية والمتمثل في المحور الفرنسي الالماني. مما جعل هذا المحور يقبل الامساك بالخشبة العراقية التي مدها اليه الأمريكيون، مقابل بعض التنازلات، من مثل إلغاء الديون المترتبة على العراق، والقبول بدور لحلف الاطلسي في عمليات التدريب في العراق، وقبول تدريب كوادر الشرطة والقضاء والادارة، وأخيراً الموافقة على فتح مكتب للمفوضية الأوروبية في بغداد.

- وثالثها وهو مرحلي، ان الصدفة تشاء ان تتولى بريطانيا الرئاسة الدورية للاتحاد، في هذه المرحلة.

- ورابعها، ان البعض يفكر بأن الانخراط في النار العراقية قد يكون مخرجا لأوروبا يساعدها على تحجيم نيران الأزمة السياسية التي تعصف بها.

- وخامسها، ولعله الأهم ان الازمة الاقتصادية التي تعصف بالقارة الأوروبية تجعل الكثيرين يفكرون بأن العودة الى بيت الطاعة الأمريكي قد تجعل الزوجين يتقاسمان، ولو من دون مساواة، شيئاً من الكعكة العراقية.

- وسادسها ان المأزق الحقيقي الذي تتخبط فيه الادارة الأمريكية الحالية بخصوص الاحتلال، تجعل هذه الادارة في موقف ضعف لم تكن عليه يوما سواء على الصعيد الداخلي حيث تتراجع شعبية الرئيس وفريقه بشكل هائل، وحيث تتوالى الفضائح، وتتصاعد وتتكثف الاصوات الداعية للانسحاب وكل ذلك مع اقتراب الانتخابات. أم على الصعيد الخارجي حيث تقول الاستطلاعات الأمريكية نفسها من البنتاغون الى وزارة الخارجية الى غالوب، ان مستوى الكراهية لأمريكا لم يبلغ يوما ما هو عليه الآن. هذا الموقف الضعيف يجعل أوروبا تمد يدها لواشنطن من دون احساس بالهزيمة وبطمع أكبر في تلقي الثمن.

مسؤولة أساسية في الملف العراقي قالت لي: نحن نعرف أن العراق قادر، اذا ما استقرت امور الأمن، على ان يصبح مركزا اقتصاديا دوليا واساسيا خلال خمس سنوات فقط. وقد قدمنا للعراقيين مشاريع ملموسة واقعية ومغرية واعطيناهم مهلة خمس سنوات للتنفيد. لكننا نعترف انهم احبطونا ولم يعطونا أي جواب.

انظر الى هذه المرأة “المهمة” واسألها بتحفط: “هل يعقل انكم لا تعرفون انهم لا يستطيعون اعطاءكم ردا؟ أليس من السذاجة تصور ان هذه الحكومة تتصرف من دون ان تعود الى الأمريكيين؟” وتجيبني بغرابة أكبر: “لكنها على أية حال حكومة منتخبة، وها نحن نمنحها الاعتراف الدولي، الذي لم يستطع منحها اياه الأمريكيون.، ثم اننا لسنا اعداء للأمريكيين”. احاول ان اوضح لها أن المشكلة ليست فقط في الاعتراف بالمهرجان الذي أقمتموه هنا، ثمة واقع على الارض، واقع تجاوز كون هذه الحكومة موضوعة من قبل الأمريكيين، تابعة لهم، تجاوز الى كونها اصبحت عاجزة عن البقاء من دونهم، ولذلك نرى ابراهيم الجعفري يتحول في واشنطن الى ناطق رسمي باسم الاحتلال، يصرّ أكثر من بوش على عدم جدولة الاحتلال، وعلى بقاء القوات الأمريكية في العراق. لانها بالنسبة له ولمن معه مسألة وجود، حياة أو موت لا مجرد قضية مصالح وسياسة.

يسأل جميع المسؤولين الذين رأيناهم عن حقيقة وضع المقاومة، وعندما يقول أحدهم: لا بد لها وأن تتحول يوما الى نوع من منظمة التحرير الفلسطينية أو جبهة التحرير الجزائرية، يعلق مسؤول: نتمنى ذلك لاننا عندها سنجد من نتحاور ونتفاوض معه. لكن اخرى تردف: غير اننا لا نريد ان نصل الى بن لادن آخر أو الى صدام حسين جديد.

النقاش حول المستقبل يقارب فكرة لجوء الأمريكيين الى تدبير حكم عسكري يمسك لهم البلاد، وبشكل غريب لا تبدو الفكرة مستهجنة لمحاورينا، ألم يحصل ذلك في أمريكا اللاتينية؟ شرط الا يكون الجنرال صدام حسين آخر. وتسأل انت: ماذا يعني صدام حسين آخر؟ اذا كانت ديكتاتورية العسكر مقبولة، فما هو المرفوض إذن في نمودج صدام حسين؟ ألم يقل الجميع انهم ضده لأنه غير ديمقراطي؟ أم ان حقيقة العداء تكمن هناك في مكان آخر: المشروع القومي والعداء ل “اسرائيل”؟

النقاش حول الفساد يقود الى سماع ملاحظة اكثر غرابة:

- “من المعروف ان اموال الدعم وإعادة الاعمار تتعرض لبعض الهدر!”

- لكن الكونجرس نفسه يقول ان ما هدر كان 80 في المائة.

- اجل النسبة كانت كبيرة جدا.

غير ان الانشغال الأساسي لدى الجهات التنفيدية في بروكسل يبدو منصباً على مأزق فتح مكتب للمفوضية في العراق. فبنيتا فريررو وولدنر قد اتخدت القرار بشكل متسرع كما يرى معاونوها، أو بالأحرى بشكل مبني على اعتبارات سياسية لم تأخد الاعتبارات الواقعية التنفيدية. وها هي هذه الاعتبارات تتبدى محيرة: كيف يتم التنفيذ؟

كيف يمكن تأمين حماية البعثة؟ هل تقيم في المنطقة الخضراء؟ وكيف يتم تأمين عبورها من المطار الى هناك، وتأمين حركتها متى استقرت؟ وماذا لو تعرضت المندوبة للاختطاف أو للتفجير؟ ألم يكن من الافضل ان تبقى في موقعها في عمان وتتحرك من هناك بحرية أكبر؟

اضافة الى التساؤلات الامنية ثمة تساؤلات سياسية:

لقد استطاعت أوروبا ان ان تكون رصيداً جيداً في العالم العربي، وهي تخاطر بخسارته كله اذا ما انضوت تحت اللواء الأمريكي في العراق. والبديل؟ ليست هناك قوات أوروبية، فرنسية مثلا أو المانية، على الأرض لحماية البعثة، لا قوات أوروبية الا البريطانيون، لكن البريطانيين هم ايضا بعين العراقيين والعرب قوة احتلال، فهل يكون في استلام لندن الرئاسة الدورية للاتحاد حل لذلك؟ هل يكفي ان يقال ان بعثة المفوضية هي تحت المظلة البريطانية باسم ذلك لا باسم تأييدها للاحتلال كي يقتنع العراقيون بدلك؟

تتوقف أسئلتهم، ويطل سؤالك: هل تعتقدون أننا كشعوب على هذا القدر من السذاجة؟ وهل تجدون منطقاً آخر للتعامل معنا غير البحث عن أقنعة شكلية كاذبة تضحكون بها على عقولنا لتمرروا خططكم وتكفون انفسكم شرّنا؟

نحن لسنا فقط شراً، ارهابا وظلامية اصولية وتهديد موت وخطف، لسنا فقط نفطاً وثروات ممكنة خلال خمس سنوات، نحن شعوب حضارية راقية، طيبة ولكنها ذات حس عال بالكرامة والفخار، لا يمكن أن يتقبل الاحتلال، هل قبلتم انتم الاحتلال؟

الرجل المسؤول يعترف: اجل العراقيون شعب فخور، يجب عدم تحدي كراماتهم، يجب ادماجهم جميعا في المشروع السياسي. لا بد من ادماج السنة.

ادماج السنة كانت العبارة التي شكلت الأزمة التي سمعناها آلاف المرات على مدى الأيام الثلاثة التي سبقت وتضمنت المؤتمر وتلته. اطلقتها كوندوليزا رايس من على الطائرة التي اقلتها الى بروكسل، ليرددها جميع المشاركين من العراقيين والأوروبيين والأمريكيين. لكأنها اصبحت الهدف الوحيد لانعقاد هدا المؤتمر والعنوان الاستراتيجي الأهم في القضية العراقية. علما بأنها لا تمثل في الواقع الا عنوانا تكتيكيا إنما تفرضه الحاجة الملحة الى تحقيق هدفين: الأول تحقيق غطاء من المشروعية التي تقول إن كل اطياف المجتمع العراقي تشارك في العملية السياسية، مما يعني الاقرار بنجاح المشروع الأمريكي للديمقراطية كما تغنى بها جورج بوش، الى حد الملل.

والثاني وهو الأهم، نزع فتيل المقاومة العراقية، أو على الاقل وضع هذه المقاومة تحت عنوانين مرفوضين من غالبية مكونات المجتمع الدولي والاقليمي: القاعدة والصداميين. فبعد ان نجح القمع الوحشي في تحييد التيار الصدري عسكريا، ونجحت التعمية الاعلامية في حجبه اعلاميا، فيما جعل المقاومة تجرد من بعدها الوطني التعددي لتحصر بالسنة، تتم الآن محاولة اخرى بالوسيلتين المذكورتين نفسيهما: القمع والتشويه الاعلامي، لتجريد المقاومة من البعد المحدود الذي حصرت فيه، أي البعد السني ولحصرها بشكل اضيق في البعد الارهابي، بالقول ان السنة الآخرين ممثلون في المشروع السياسي، أي الانضواء تحت اللواء الأمريكي. والمشاركة في مسرحية ديمقراطية تراجيكوميدية لا تهدف الا الى انقاذ الاحتلال واعوانه من ازمتهم.

اسأل احد المسؤولين في بروكسل بعد يومين: ألا تعتقد انه من باب سياسة النعامة الاستمرار في القول: المقاومة السنية؟ الم ينظم الاحتلال حملاته ضد جماعة الصدر قبل ان يفعل ضد الآخرين؟ ألم تحاصر النجف وكربلاء وتدمرا قبل الفلوجة والموصل والقائم؟ فيجيبني: بلى لكن الامور قد توقفت هنا بالنسبة للشيعة.

اعود لأسال: ألا تعتقد ان الاستمرار في تغدية التمييز الاثني والطائفي في المنطقة لن يكون فقط وسيلة لدمار مجتمعاتنا، بل انه لن يتأخر عن ان يترك آثاره على أوروبا نفسها بمكوناتها الاثنية والطائفية والدياسبورية؟

هنا فقط أشعر ان اهتماما حقيقيا تملك الرجل، يجعله يغير جلسته، يعلق باسماً: “والتي تقول ذلك لبنانية”!!

ويدخل معي في حوار عميق. يسألني: وماذا تعتقدين انه بإمكاننا ان نفعل فكريا وسياسيا؟

لديكم فكريا ما تسوقونه لنا: مفهوم حق المواطن، الذي لا يعبأ بالاثنيات والطائفيات، كلفكم الوصول اليه الكثير، وكسبت مجتمعاتكم منه سلاماً أهلياً وتطوراً. يجب ارساؤه لدينا ولا يمكن له ان ينفصل عن الحقوق الوطنية. قدركم انكم تنتمون الى قارة قدماها في الاطلسي وشعرها يطفو على المتوسط. أما سياسياً فإنها العدالة، احترام الحقوق والبحث عن مصالحكم مع اصحابها، الذين لا يمكنهم بدورهم، ولا يريدون، الانفصال عن العالم. فكروا بالشعوب بدلا من الاستمرار في التعامل مع انظمة لا تمثل الا نفسها. لو كان هؤلاء الذين استضفتموهم باسم الحكومة العراقية يمثلون العراقيين، لما كانت هناك حالة عنف ودمار تجعلكم تخشون ارسال مندوبيكم الى بغداد؟

ويرد باهتمام: هذا صحيح ولكن فشل الولايات المتحدة هناك يعني انتصار التطرف.

- هل تصدقون ما يقوله الاعلام بأن المقاومة هي الزرقاوي؟

- لااعتقد اننا سذج الى هذا الحد؟ لكن هناك أيضاً ما نخشاه.

- ألهذا تريدون ادماج السنة؟

- لقد نجحت الحكومة في اكتساب البعض الى المشاركة في صياغة الدستور.

- وما هي القيمة التمثيلية لهذا البعض؟

- لا ندري.

هذا السؤال وجهته الى المفوضة الأوروبية للعلاقات الخارجية، نفسها: الى أي حد تعتقدين بأن الأسماء السنية التي تطرح هي ذات قيمة تمثيلية؟

لكان الحيرة التي نجمت عن اقحام المجموعة الأوروبية في الساحة العراقية، تلف الجميع من اعلى الى اسفل في المفوضية وتجعلك تسأل عن دوائر ولوبيهات صنع القرار هناك.

اضافة الى موضوع السنة تمثلت اهداف مؤتمر بروكسل في هدفين:

الأول المصالحة الدولية حول الحرب فيما يحسن صورة الولايات المتحدة الأمريكية: فالامم المتحدة والدول الأوروبية التي عارضت الحرب على العراق، بل والدول العربية ممثلة بجامعتها وبعدد من سفرائها، كلها كانت حاضرة هنا الى جانب الأمريكيين ومن نصّبوهم من العراقيين، وحلف شمال الاطلسي ممثلا بأمينه العام في تظاهرة دعم لا تظاهرة ادانة. مناسبة للولايات المتحدة كي تقول للعالم ان أوروبا والمجموعة الدولية عادت لتصطف وراءها مما يعني منحها براءة بأثر رجعي، ومناسبة لأوروبا كي تحقق بعض المكاسب من منح هذه البراءة.

والثاني هو الاعتراف الدولي بالحكومة العراقية المؤقتة التي ظلت حتى الآن حكومة فيشي لا اكثر.

واذا كانت جميع الخطب والبرامج المعلنة قد كررت برنامج هذه الحكومة بثلاثة بنود:

الرؤية السياسية، الاقتصاد، فإن الاوراق التي قدمت من قبل العراقيين حول هذه الثيمات قد توزعت بين شتم النظام العراقي السابق (الذي استغرق نصف ورقة وزير المالية والاقتصاد) وبين عموميات لم تفعل الا تكرار وتفصيل ما قالته كوندوليزا رايس في ورقتها المقتضبة، التي تترك الانطباع بأن جميع الاوراق الاخرى التي قدمت في المؤتمر لم تكن الا من باب التوسيع والثرثرة. لقد وضع السيد الخطوط وترك للآخرين الاجترار التفصيلي.

ليحدد زيباري الرؤية السياسية باربعة نقاط: استكمال المشروع السياسي، أي كتابة الدستور واجراء الانتخابات، وانخراط المجموعة الدولية في عملية اعادة الامن الى العراق، وإعادة تأهيل المؤسسات.واعادة ادماج العراق ضمن المؤسسات الدولية.

لم نجد في ذلك مشروعا سياسيا حقيقيا، الا مجرد نداء: اعترفوا بنا وساعدونا على قمع المقاومة وتحسين صورتنا. في حين يركز الجميع على الفدرالية، وادماج السنة. مما يعني عمليا تركيز الاقليم الكردي وتشجيع الشيعة على كيان مماثل في الجنوب وتمييع المقاومة. في حين اشارت اكثر من عبارة الى موضوع السلام مع “اسرائيل” بشكل غير مباشر: حيث أكد هوشيار زيباري قائلا “محور سياستنا الخارجية ان يصبح العراق عنصر استقرار والا يعود ابدا مصدر تهديد”.

كما كان البند الآخر المهم الذي تم التركيز عليه هو قضية الحدود، حيث تكرر الكلام عن ضبط الحدود على لسان جميع المتحدثين وعلى مسمع من الوزير السوري الذي جيء به الى هناك ليسمع التهديد بأذنه، وليسمع أيضاً إعلان فتح مصر لسفارتها في بغداد، فيما يعني القول: هذه امامك طريق الخلاص فتحرك.

ولم نجد الكثير على الصعيد الاقتصادي الا الخصخصة وتحرير الاقتصاد وتركت التفاصيل الى مؤتمر عمان القادم، مع اشارة رايس الى ان العراقيين لن يتحملوا وحدهم عبء المسؤولية.

الجميع كان يشيد بالشعب العراقي الشجاع، ولم ندر عن أية شجاعة يتحدثون: أهي شجاعة التعاون مع الاحتلال أم أهي شجاعة المقاومة التي حاول المهرجان والمهرجون تجاهل وجودها تماما، فلم يشر اليها احد بكلمة واحدة لكنها كانت رغم ذلك الغائب الحاضر في كل كلمة وكل اشارة وكل مطلب، هي وحدها سبب التحرك الأمريكي وسبب المأزق العراقي وسبب السعي الأوروبي. فمن هناك، من أرض العراق سيتقرر مستقبل العالم اذ يتقرر مستقبل الامبراطورية: هيمنة أو تفككا. وليس انتهاج سياسة النعامة في دفن الرأس في الرمال إلا من باب الهرب من واقع مرعب، اشبه بأولئك الذين يخشون من تسمية مرض السرطان باسمه فيطلقون عليه لقبا رمزيا.

الجعفري قال ان “الوجود الأمريكي مؤقت ولكن الى ان نتأكد من ان الدول المجاورة التي يتسلل منها ارهابيون تضبط حدودها” ثم عاد ليؤكد في واشنطن ان لا جدولة انسحاب.

في داخل القاعة كان الرجل يركز في خطابه على المطالبة بما اسماه احترام سيادة العراق، من قبل الدول المجاورة، وكأنه نسي ان ليس لبلد محتل سيادة.

وفي المركز الصحافي كنت اقف منتظرة دوري للدخول عندما وصل وفد احدى الفضائيات العراقية، اربعة شباب تقودهم امرأة شابة تتصرف بتعال يصل حد الغطرسة، ملامحها عراقية واضحة لكن لكنتها بريطانية واضحة ايضا: يطلب اليها موظف الدخول ابراز جوازات السفر، كما هي الحال بالنسبة للجميع لاستلام البطاقة الصحافية فترد عليه بتعال: الجوازات في السفارة الأمريكية. الرجل لايفهم، فتؤكد: نعم جوازات الشباب في السفارة الأمريكية وعليك ان تدخلنا من دونها.