ها قد عاد الحوار بين الشاعر محمد بنيس والاستاذ عمرو موسى، حول صلاحية اللغة العربية للحياة ودخل الاستاذ جهاد الخازن على الخط ، وأخذ جانبا من الحوار حاكيا عن الاحباط والامل ومقاومة الموت والعزيمة مستخلصا ان اللغة العربية لن تموت ما دام هناك عرب واقترح مشاريع لدعمها الخ الخ …

يبدو لي الامر وكأنه اختلاف على تسمية الهزيمة ، فاللغة العربية لغة مخسورة اذا صحت الكلمة ، هي بوضعها الحالى سائرة حثيثا نحو الموت ، ولكن مقتضيات التفاؤل الثوري او التفاؤل الايديولوجي بصفة عامة تخلع عليها بردة الديمومة ، ولكن الديمومة بحد ذاتها لا تعني ولا تفصل اذا كانت على قيد الحياة او على قيد العيش ، والديمومة لا تعني الحضور في الوظيفة الا بقدر ديمومة مومياء توت عنخ آمون ، ان انحياز المرء للغته هو أمر واجب وليس من السار مطلقا ان نرى لغتنا القومية على هذه الحال ، وليس من اساليب المحافظة عليها هو النطق بها او تكثير الناطقين بها ، او بذل الجهود كي تبقى “عايشة” فهناك مئات اللغات العايشة وتتمتع بالعزة والجمال والعنفوان والهوية وكل المواصفات النظرية التي تطلق عليها ، وكل ذلك لا يفيد خصوصا ان اللغة ذاتها غير مذنبة في بقائها او زوالها فهي منتج مجتمعي ترتقي بارتقائه وتندثر باندثار هذا الارتقاء بغض النظر اذا بقيت وبقي المجتمع كوجود فيزيائي ، ومشكلة لعتنا العربية ليست فيها بل فينا نحن المجتمعات المستقيلة عن الابداع والارتقاء ، فخوفنا المستمر من الجديد الثقافي “الاجتماعي الاقتصادي السياسي” يفضي بنا الى السكون الذي هو بوابات الموات ، مشكلتنا الاولى مع لغتنا اننا ننظر اليها كفعل ماض ، وكلما تكلمنا عنها او فيها فاننا ندور حول محور كيفية استعادتها ، اي علينا وبخلطة بدهية العودة الى الماضي حيث كانت لغة زاهية ، او نتمسك بالجذور لأن في بعض منها هويتنا …

وهكذا رويدا تصبح معركتنا برمتها في الماضي مع ان الازمة مستقبلية لنصحو امام سؤال محوري “لان الزمن لايقف” هل نتعامل مع مسألة وجودنا نحن ام مسألة وجود لغتنا ، لاننا ومن خلال العودة الى الماضي او الجذور نكون قد كرسنا الدمج بين الازمان والدمج بين الوسائل والغايات والدمج المنتج والمنتج لنصل الى الدمج بين القانون وصاحبه بين الدولة والسلطة وبين الدين والسياسة او بالاحرى لندمج كل شيء في كل شيء ، لنتحول الى مضغة اجتماعية تبحث في عوامل وجودها الفيزيائي قبل البحث في هويتها ولغتها في مواجهة السؤال المحوري السالف .

اللغة العربية كانت لغة زاهية في عصر كانت من رتبته الحضارية والمدنية والابداعية ، اما الان فنحن في اية رتبة من رتب هذا العصر ؟ صحيح انه علينا التمسك والدفاع عن تساوينا الانساني مع كل البشر على سطح هذه الكرة الارضية القاسية ، ولكن ذلك لن يتم الا بالابداع والارتقاء لتصبح اللغة وسيلة تصور مع الآخر الشريك في هذه الكرة الارضية ، فالابداع هو الحاجة الوحيدة للبشرية لأنه يعني المستقبل ، ونحن ماضويون فكيف نريد للغتنا ان تكون مستقبلية او حتى معاصرة .

الهند تسير حثيثا في الارتقاء والتقدم ولم تخسر لا خصوصياتها ولا فكلورها ولا تقاليدها ولا لغاتها ولا اديانها ولا هويتها ولا منعتها مع ان لغتها الرسمية هي الانكليزية .. ونحن وما شاء الله نمتد على مساحة قارة وعديدنا والحمد لله في ازدياد وماضينا مجيد وتراثنا مديد ومعنا لغتنا القومية ولكننا لما نزل ……….

كما هو معروف لغتنا سوف تموت حتى لو استمر 400 مليون يتكلمونها الى ما لا نهاية ، لانها سوف تبقى لغة تفاهم وليست لغة خيال وتصور وابداع … ومن الظلم تحميلها المسؤولية لأننا نحن من يقاوم الإبداع لأننا نقاوم الحركة اي اننا نقاوم الحاضر والمستقبل فينا .