تستحق السياسة الخارجية للبنان ما بعد عصر الرعاية السورية، أكثر من عنوان، او من فقرة، في أيّ بيان وزاري للحكومة التي ستبصر النور قريباً، ليس لأن هناك أولويات دوليّة تتزاحم وتتعاظم على الساحة الداخليّة، بل لأن هناك صلاحيات مغتصبة، وهوية ناقصة، او مشكوكا بأهليتها لهذه السياسة، ودورا مرتبكا كان دائماً أسير توازنين متناقضين: مراعاة التوازن الداخلي بجمهورياته الطائفيّة، وإقطاعياته الفئوية، والمناطقيّة، والتوازن الخارجي الذي كان ولا يزال يدهم الساحة بأولوياته، وتحدياته التي غالباً ما تأتي متناقضة مع المصالح اللبنانية العليا، وأحياناً كثيرة على حسابها.

هناك تحديات خمسة مطروحة للمرّة الاولى هي:
هل ستبقى السياسة الخارجية موزعة بين بعبدا، وقريطم، وعين التينة، فضلاً عن المرجعيات الروحيّة، والرموز السياسيّة، حيث لكل موقفه، وأولوياته، أم سيكون للعمل المؤسساتي شأنه مع الحكومة الجديدة بحيث تعطى للدبلوماسيّة حقوقها المعنويّة والماديّة لتضطلع بكامل مسؤولياتها، فتحاسِب، وتحاسَب؟

هل سيتسلّم حقيبة الخارجيّة الرجل الكفوء، مالك الخبرة، والقدرة، والنظرة الشموليّة الواسعة، أم سيأتي من ينخله غربال التسويات السياسية، الطائفيّة، والمذهبيّة بين الكتل، والتيارات المتناحرة، “كتسوية” ليحلّ مشكلة توزير، او توازن حصصي، او طائفي، او مناطقي، حتى يسلم العقد الوزاري، وتتمكن الحكومة من اجتياز قطوع الثقة النيابيّة فقط؟

إنطلاقاً مما تقدم، هل اولويات السياسة الخارجية في مرحلة ما بعد انتهاء الرعاية السوريّة، هي العمل على تكريس فيدرالية الطوائف في لبنان، أم على الترويج عمليّاً لدولة القانون والمؤسسات المتحررّة من العقد الطائفيّة، والفئوية، والمناطقيّة؟ بالطبع قد يزعج مثل هذا الطرح كثيرين، ولكن الثابت والأكيد ان سياسة التكاذب لم تعد تجدي، وقد أصبح لبنان مكشوفاً أمام الامم.
أكثر من ذلك.. أيّ سياسة خارجيّة سينتهجها لبنان حيال القرار 1559؟ وكيف سيتمكن من التوفيق بين نقيضين: حماية سلاح المقاومة من جهة، وتنفيذ مندرجات القرار 1559، أو عدم الاصطدام مع المجتمع الدولي من جهة أخرى؟

أخطر من ذلك.. كيف سيبني لبنان علاقات سويّة، وسليمة مع سوريا، وقد بدت بوادر الأزمة ترخي سدولها منذ الآن على الوضع الاقتصادي؟ لا بل كيف سيتمكّن من الاحتفاظ بتوازنه، لا بل بهويته الثقافيّة الحضارية، من أن يصبح دمية تحركها التجاذبات الأميركية الأوروبيّة الدوليّة الناشطة على أرضه؟

أسئلة تستدعي تفكيراً معمّقاً حول أيّ لبنان نريد، بحيث لا تبقى السياسة الخارجيّة صنيعة سفراء أجانب، مطلقي الصلاحيّة، جوّالين على المرجعيات، والمقامات، او صنيعة الكيدية التي كانت تشكل، وحدها، “الجامع المشترك” بين “ترويكا” الحكم؟!

مصادر
السفير (لبنان)