الخطأ الأول الذي تعانيه إسرائيل حتى اليوم هو اتفاقات أوسلو. فبحسب المعطيات الصادرة عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، قُتل 1317 إسرائيلياً على يد الفلسطينيين منذ أيلول 2003 حتى نيسان 2005. واليوم، لا يوجد أحد تقريباً في إسرائيل لا يوافق على القول أن اتفاقات أوسلو كانت مقامرة عديمة المسؤولية وخطأ عظيماً.

هذه المسألة ليست موضوعاً للبحث التاريخي حول طرق الحكم والسياسة في إسرائيل فحسب، فتداعياتها تؤثر بشكل حاسم على وضع الدولة حتى اليوم، لا سيما على الصعيد الأمني والسياسي. وقد أظهرت العملية التي تطوّرت منذ العام 1993 أنه يمكن إخضاع إسرائيل بالعنف، وأنه يمكن إرغامها على إجراء مفاوضات سياسية مع منظمات إرهابية، وأنه يمكن ابتزازها ودفعها لتقديم تنازلات في مجال الأراضي، كما يمكن إرغامها على خرق مبادئ القانون والعدالة عن طريق الإفراج عن القتلة ومنفذي العمليات ومرسليهم.

حكومة شارون مسجونة أيضاً في مقطورة اتفاقات أوسلو. فشارون اخترع فك الارتباط، هذا ما اعتقده على ما يبدو، كوسيلة لتفادي قسم من أضرار اتفاقات أوسلو على الأقل. بيدَ أنه تبيّن أن الاعتقاد بأن فك الارتباط سيولّد إنجازات سياسية ليس له أي أساس حقيقي. فالاختبار الحقيقي والصعب يكمن في المجال الأمني، وبشكل خاص في مصير محور فيلادلفي. فشارون ومساعدوه أرجأوا معالجة هذا الموضوع لأنهم عرفوا أنه نقطة ضعف فك الارتباط. فإذا أبقوا على الجيش الإسرائيلي لحراسة هذا المحور ومنع التهريب، فهذا يعني أنهم لم يخرجوا من غزة، وإذا تخلّوا عنه وتركوه تحت رحمة المصريين و/أو الفلسطينيين، فسيُتهمون بإخفاق أمني خطير.

منذ أشهر عديدة يُحذرنا رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، عضو الكنيست يوبال شتاينتس، من الخطر المحتمل الكامن جنوب غرب إسرائيل، أي من مصر. ومن المهم التوضيح أن قطاع غزة لا يخضع لأي سيادة معترف بها في القانون الدولي، والسلطة الفلسطينية ليست دولة مستقلة سيادية. من هنا، فإن الحدود الدولية بين إسرائيل ومصر هي حتى الآن الخط الذي يقسم مدينة رفح، أي الحدود ذاتها التي كانت قائمة بين مصر و“أرض إسرائيل” الانتدابية. هذه هي الحدود التي تحدّدت رسمياً في اتفاق السلام مع مصر العام 1979. حتى وإن تجاهلنا البعد المتعلق بالقانون الدولي، فإن المغزى الاستراتيجي والسياسي لترك محور فيلادلفي بين يدي الجنود المصريين وجنود السلطة الفلسطينية، هو تصرّف عديم المسؤولية من الدرجة الأولى. لأنه بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي سينشأ تواصل إقليمي مباشر يمتد من وسط مصر مروراً بشمال شبه جزيرة سيناء، وصولاً الى مشارف اشكلون. غداً أو بعد غد تنتقل السلطة في مصر ليد حاكم آخر ذي نظرة مختلفة تجاه إسرائيل. وفي غضون وقت قصير قد يتحوّل قطاع غزة الى حربة موجهة نحو وسط الدولة. ويمكن الاستنتاج مما قاله رئيس الأركان السابق، موشيه يعلون، أن الخلاف حول مصير محور فيلادلفي كان السبب الرئيسي لتسريحه من منصبه مبكراً.

تجدر الإشارة هنا الى أن إقامة مستوطنات يميت، ومن بعدها غوش قطيف، هدف لخلق منطقة فاصلة يهودية ـ إسرائيلية بين مصر وبين سكان قطاع غزة العرب. هذه المنطقة الفاصلة ضرورية وحيوية اليوم بقدر ليس أقل، إن لم يكن أكثر، من السابق في ضوء العداء التي تظهره القاهرة تجاهنا، على الرغم من اتفاق السلام معها.
طوال آلاف السنين حاذر كل من سيطر في “أرض إسرائيل” من الخطر الكامن في المحور الساحلي، مسار الغزو المعروف باسم “فيا ماريس”، الذي يقود من بلاد النيل، عبر غزة واشكلون “عسقلان”، وصولاً الى قلب البلاد “إسرائيل”. وإذا جرت تصفية غوش قطيف فسيبقى محور فيلادلفي الحاجز الأخير أمام مسار الغزو نحو “أرض إسرائيل”. فهل سنكرر الخطأ التاريخي الذي أدى في الماضي الى احتلال “أرض إسرائيل”؟ أو لم يكن محقاً رئيس الأركان يعلون في سجاله مع شارون ومساعديه؟

مصادر
معاريف (الدولة العبرية)