بأية نار نلعب عندما نعيد إلى قارعة الاختلاف المعاصر صفات وأحكام وخلاصات تخلى عنها الماضي التليد بكل جبروت قدسيتها المزيفة، بأية نار نلعب عندما نعيد تصنيف البشر حسب نسلهم وتناسلهم، وبأية نار نلعب عندما لا يبق في دفتر الحوار إلا العودة الأمية القبلية والصفاء التناسلي، بأية نار نلعب عندما نعيد لكلمة الشعوبية القها ونتكىء متلمظين بهزائمنا، بأية نار نلعب عندما نعيد إلى الأسماع مفردات مثل العرب المستعربة كتصنيف حقوقي سياسي يمنح درجة معينة في الوطنية، بأية نار نلعب عندما تدخل صفة الأقحاح في تراتبية مقترحة للحاضر والمستقبل، وبأية نار نلعب عندما لا يتطاول عقلنا لالتقاط تعريف عقلاني وعلمي لهويتنا ؟ إننا نلعب بنار الجحيم التي وبالنسبة إلى درجة تحضرنا وتمددنا في هذا العصر وقياسا إليه سوف نلهب هشيمنا الأعجف لتتفرج عليه الأمم..

من يستطيع أن يقول عن نفسه انه من عرب العاربة أو المستعربة، حتى يرمي الآخر بتهمة سوء الأصل والمآل، من قال إننا عرب بالمعنى الأرومي للكلمة حتى نصبح عاربة أو مستعربة، ومن بيده أن يكون عاريا أو مستعربا، ومن لديه مقياس الاكتشاف ومن ثم التصنيف في تراتبية وطنية معيارية، ومن لديه الأدلة أن العرب العاربة هم من عمر هذه البلاد وخربتها العرب المستعربة، ما هذا الشطط الخطير في استخدام الأفكار واللغة، فمن يستطيع القول أن العرب العاربة عبارة عن غيتو سلالي حتى يمكن تمييزهم عن العرب المستعربة عن طريق درجات الوطنية الممنوحة من قبل بهلوانات عديمي الشطارة إذا لم نقل الذكاء..

هل يوجد في هذا الوطن “بل في العالم اجمع” عرب عاربة وعرب مستعربة ؟ سؤال قد يضعنا على سكة الندامة، فالأمة التي اخترعت في عصر القوميات الفائت وليس في زمن العاربة والمستعربة، هي نتيجة تفاعل المصالح مع المكان، وليست نتيجة التزاوج الداخلي في القبيلة، وليست نتيجة اختيار المواليد أن يكونوا أعرابا أو مستعربين، تفاعل المصالح هذا هو الذي يصنع المزيج الحضاري السلالي ولا يبق احد “اللهم إلا من آمن بالغيتو السلالي الدماغي” ذو سلالة صافية دمائيا أو عقليا أو حضاريا وحتى لغويا، وقيمة الأوطان “ارض + بشر” تأتي من مقدرتها على دمج عناصرها وليس من مقدرتها على البحث بالميكرو سكوب عن وسائل تصنيفهم عبر تخمينات احتقانية تفيد في إعادة الاختلاف إلى المرحلة الرعوية وما قبل البستنة.

العروبة وغيرها من المسميات القومية هي اصطلاح معاصر عما يجمع الناس، لا يخضع في حال من الأحوال إلى أية إرهاصات تراثية، هذه الإرهاصات بدورها وفي ظل العلم والعقلانية الحديثين لا يمكن أن تكون حقيقية مهما أكدها التراث فلا عرب عاربة أو مستعربة إلا على سبيل المجاز وإلا كان على من يأخذون بهذه الإرهاصات أن يختاروا، إما أن العرب قوم من أهل الانغلاق والعنصرية ومصرين على الاستمرار بذالك، أو أن العرب قوم الانفتاح على الآخر وبالنتيجة التمازج معه وعندها لا عاربة ولا مستعربة.

في ظل بحثنا عن مواطنة متساوية في الحقوق والواجبات..... يطلع لنا من يريد إعادتنا إلى زمن حتى هو نفسه لا يستطيع إثبات انه كان موجودا، وحتى لو كان موجودا فلا قيمة له بالمطلق لأنه وعلى الأقل نحن نناقش ونختلف في الحاضر ضمن تعاريف معاصرة للوطن والوطنية... ما يكشف انه بهلوان عديم المهارة لا يلبث أن يولع النار في خيمة السيرك التي توهمها وطننا.