بدأت في سوريا الآن اجتماعات البيوت والمكاتب والمقاهي لتشكيل احزاب, ولمناقشة برامجها, وأسمائها وشعاراتها... فيما وراء صناديق البندورة مزارعون تحت الشمس, وفي اطواق المدن بائسون في ظلال الفقر, وتحت سرّة المدينة المكتظة بشخير «سمنائها» تجرى أنهار خمر وعسل.

احزاب بلا طبقات. افكار بلا تيارات. عناوين تكرر نفسها. ونقلد جيران السياسة. شعارات طويلة بلا حوامل. يافطات في دماغ مثقفين. مستقبل موعود على سرير الحاضر الراسخ الموجود.
ثم بدأت الاموال تطل برأسها, في حذر والطامعون بشراء الضمائر لاحقاً, في بازار الديمقراطية الموعودة, بدأوا التخطيط في اوقات الفراغ. بينما فقراء الايديولوجيا المتحمسون لانشاء جمهوريات فاضلة, او لاقامة الموتى, وتحرير الكرة الارضية من فضلات بشريتها الفائضة... فقد ركزوا اعلامهم على الكلمات, رفرفت في ذُرى الانترنيت.

الكل يحضّر نفسه: فما ان يصدر قانون الاحزاب, المزمع اصداره بناء على توصيات المؤتمر القطري الاخير, حتى يكون جاهزاً عدد كبير من الاحزاب للاعلان.

الكل أيضاً يكبّر الاحجار التي سيرجم بها شيطان الفساد. ويسن السكاكين لتقطيع كعكة العدالة. ويعد المواطن - كلّ المواطن - بالخبز والحرية والجهر بالصلاة على قبلته التي يريد.
الكل... مثقف. ويعرف الديمقراطية قبل ان يكون قد حصل على بروفه... او €بروفيه, ان شئتم€ تتعلق بالخطوات الملكية الواثقة نحو صندوق مربع له شق طولاني اسمه صندوق الاقتراع الحر - الصفقة دائماً تأكل الموصوف!!-.

الكل أيضاً يبدأ حديثه او بيانه بكلمتي «في الحقيقة والواقع...» او: «بأن سوريا ­ اليوم ­ تمر بأخطر مرحلة» - نسينا الـ67 والكوارث اللاحقة... لقد كان عدد اللاجئين­ نسميهم النازحين­ حوالى مئة الف, والآن, بعد اربعة اجيال... لا نعرف العدد. وهم لا يعرفون قراهم في الجولان-.

الكل يعرف ان تأسيس حياة حزبية, في اي بلد, يحتاج الى حرية القول والكتابة والتجمع والتظاهر والاضراب المطلبي, وهي بذلك تحتاج الى جمهور منجذب ليس الى صدقية الاطروحة وحسب وانما الى امكانيتها للتحقق في المدى المنظور. وهنا الفرق بين باعة الاحلام وصناع الاوهام وبين الواقعة والواقع.

اطلعت على بعض البرامج وبعض المشاريع وبعض افكار التأسيس, وهالني الطموح الغريب لتحقيق المعجزات, كتحرير الاراضي المحتلة بالمقاومة طريقاً وحيدا لكسر الاحتلالات. وتحرير العالم من عولمته الحقيرة الحالية, وتخليص الكون من الاحادية القطبية, وزرع انساغ جديدة في الأمم المتحدة, وطبعاً لا ينسى احد القضاء النزيه وفصل السلطات... والغاء كذا واثبات كذا... الى آخره.

اشتهيت, فقط, ان اسمع بحزب «البلاط»... نعم البلاط الذي يتبدل على ارصفة دمشق كلما تغير محافظ, او كلما كان لدى مسؤول ما - عالي الحقيقة والواقع- معمل جديد للبلاط. هذا الحزب يمكن ان يمارس «البوليتشن» بقوة راسخة وفضائحية عالية. ويجذب اليه اسمنتاً اجتماعياً يقاوم اسمنت التهريب.

اشتهيت ان يتأسس حزب على قاعدة الاعتراف بالخطأ فضيلة... يتكون الاعضاء من المعترفين بالخطأ. فهذا يؤدي الى خلق امناء عامين مؤسسين, بعد طول اعاقة, لمفردات لغة الصواب.

على أي حال استخف الكثيرون في أوروبا بحزب الخضر في ألمانيا.. ليجدوه بعد اقل من عشرين سنة حاكماً.

وكذلك استخف عدد من الاحزاب في سوريا بكل من انتقد في السبعينيات والثمانينيات شعاراتها في اسقاط النظام... حيث لا جواب لسؤال: بماذا تسقطونه ايها السادة... وما زلتم لجنة مركزية ومكتبا سياسيا وأمينا اول يبحثون, في حقل اشواق السوريين... عن قاعدة؟!