تصاعد الاتهامات الأميركية ضد سوريا في الأيام الماضية, وبلوغها الذروة خلال الجولة الاخيرة لوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس في المنطقة, لم يجد اي تفسير او مبرر لدى القيادة السورية, سوى ان ادارة بوش لا تبحث عن التعاون السوري بقدر ما تريد زيادة الضغط على دمشق في اطار تحقيق الأهداف الأميركية في العراق وفلسطين ولبنان.

فاتهام سوريا بزعزعة استقرار الشرق الأوسط, ولا سيما الاشارة الى دورها المزعوم في لبنان عبر التدخل الاستخباراتي في انتخاباته النيابية والتفجيرات الأمنية والاغتيالات السياسية, شكّل رسالة سياسية واضحة الى دمشق, تكشف عن النيات الحقيقية للادارة الأميركية تجاه سوريا.

لم تكتف الولايات المتحدة بمقاطعة الزيارة التي نظمتها دمشق للدبلوماسيين والإعلاميين للتأكد من التعزيزات السورية لضبط الحدود مع العراق, بل تعمدت تجاهل نتائجها التي وضعت أمام العالم دليلاً قاطعاً على واقع الإجراءات والجهود المكثفة المبذولة لمنع التسلل من حدودها رغم صعوبة المهمة. وفيما كانت وسائل الإعلام تنقل حقيقة الصورة على الحدود, استمرت الوزيرة رايس أثناء جولتها الأخيرة في المنطقة, بتصعيد اتهاماتها وحشد الموقف الدولي لإحكام طوق العزلة حول سوريا, بطريقة تبدو وكأنها عقوبة على المواقف السورية السابقة, فلم تتوقف عن التذكير بأن سوريا لم تفهم «كل الرسائل الأميركية», حسب تعبير رايس, بينما هي في حقيقتها إجراءات لتنفيذ الأجندة التالية لاحتلال العراق في كل من لبنان وفلسطين, والمتمثلة بتنفيذ القرار 1559 بالكامل.

مبادرات سورية
دعت سوريا مراراً المسؤولين العراقيين لتوقيع الاتفاق الأمني, وكل الاتفاقات التي جرى التفاهم عليها مع رئيس الحكومة العراقي في الحكومة الانتقالية العراقية السابقة إياد علاوي, لكنها لم تلق جواباً مقنعاً على تجاهلهم للدعوة, ومع ذلك أرسلت سوريا وفداً دبلوماسياً وأمنياً الأسبوع الماضي إلى العراق, «لإزالة كل لبس وكل اتهام حول التسلل بالأدلة والوقائع» كما أوضح وزير الخارجية السوري فاروق الشرع قبل إرسال الوفد, مؤكداً «أن السوريين منفتحون جداً على علاقات أخوية وحسن جوار مع العراق, وأن سوريا ترغب بالاتصال مع المسؤولين العراقيين». وبحث الوفد السوري في العراق إجراءات إعادة فتح السفارة السورية في بغداد, و كل ما يعترض تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين فى مختلف المجالات. وسبق ذلك قيام دمشق بزيادة حصة العراق من مياه نهر الفرات اعتباراً من منتصف حزيران /يونيو/ على أن تستمر في ذلك خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. وأفاد وزير الري السوري نادر البني «أن كمية المياه المحررة إلى العراق بلغت 670 مليون متر مكعب في الأسابيع الأولى», متجاوزة بذلك الحصة المخصصة للعراق بموجب اتفاق 1987, الموقع بين الدول الثلاث المتشاركة في نهر الفرات (سوريا والعراق وتركيا), حيث تطلق الأخيرة 500 متر مكعب من المياه في الثانية باتجاه سوريا التي تقدم 58 % من هذه المياه للعراق.
مبادرات حسن النية السورية تجاه العراق, لم تجد نفعاً كما هو متوقع, وبات بحكم القناعة, أن أميركا تمارس ضغوطاً قوية على الحكومة العراقية كي لا تتجاوب مع المبادرات السورية, وهو ما يفسر تناقض تصريحات المسؤولين العراقيين, ما بين ترداد الاتهامات الأميركية لسوريا بخصوص ضبط الحدود ودعم المتسللين, عبرت عنها تصريحات رئيس الحكومة العراقية إبراهيم الجعفري ووزير الخارجية هوشيار زيباري, وبين امتنان المعارضة العراقية السابقة لسوريا التي قدمت الملجأ والحماية من نظام صدام حسين, وتتمثل في تصريحات الرئيس جلال طالباني, ورئيس الحكومة السابق إياد علاوي, والذي قال مراراً وتكراراً أن سوريا لا ترعى التسلل عبر الحدود, معبراً عن ثقته بتأكيدات قيادتها, وأن السوريين على استعداد باستمرار للتعاون مع العراق. ودعا علاوي إلى ضرورة متابعة الحوار بين الجانبين «لتسهيل الاستقرار في العراق و سوريا».

تهمة ثابتة
ومع ذلك ثابرت الإدارة الأميركية على تصعيد ضغوطها على نحو غير مسبوق, وتعمدت تجاهل نفي قائد القوات الأميركية في العراق جون فاينز وجود أي أدلة على أن الحكومة السورية تسهل مرور متسللين واعترافه بالجهود التي تبذلها سوريا, وآزرتها وسائل الإعلام التي لم تأت على ذكر تصريحات فاينز,سوى قناة «الحرة» التي بثتها عرضاً أو ربما سهواً إثر زيارة الدبلوماسيين والإعلاميين في سوريا إلى الحدود مع العراق, فيما جرى التركيز لاحقاً على كلام قائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال جون أبي زيد بخصوص مقاتلين من الجزائر وتونس والمغرب يحاولون حالياً دخول العراق انطلاقاً من سوريا للانضمام إلى مقاتلين آخرين من السعودية والأردن ودول أخرى مجاورة. واعتقاده بوجود «نواة داخل سوريا تسهل ذلك. وسواء كان هناك تساؤل عما إذا كانت الحكومة السورية تسهل الأمر أو تتجاهله, فان النواة الرئيسية موجودة في دمشق», ما يعني أن التهمة الأميركية «ثابتة», حتى لو كانت البراهين والوقائع على الأرض تنفيها. واستناداً إلى ذلك الاتهام ومعلومات أخرى نقلها مسؤولون أميركيون رفضوا الإفصاح عن أسمائهم, تفيد ببقاء عناصر للمخابرات السورية في لبنان, نجحت كونداليزا رايس بمؤازرة فرنسية في الحصول على دعم أغنى دول العالم ضد سوريا, ودفعت تجمع مجموعة الثماني في لندن, لإسماعها رسالة واضحة بأن «عليها أن تغير تصرفاتها», وخرجت ببيان عقب الاجتماع يدعو جيران لبنان و«خصوصا سوريا إلى التعاون لضمان الالتزام الكامل بقرار الأمم المتحدة والمساهمة بشكل فاعل في الأمن والاستقرار الإقليميين». والمطلوب حسب مزاعم رايس من السوريين «ألا يكونوا بعد الآن في وضع يسبب عدم استقرار للبنان وللحكومة المنتخبة فيه بحرية, وفي العراق حيث تقول الحكومة العراقية إن سوريا تسبب مشاكل لهم, وأيضا في الأراضي الفلسطينية حيث يخرج الجهاد الإسلامي (مقره في دمشق) على الإجماع الفلسطيني فيما يخص وقف العمليات ضد إسرائيل».

الأسباب الحقيقية
ما يفهم من هذه الاتهامات انها لا تتعدى ممارسة ضغط سياسي على سوريا. وقد أفاد مصدر سوري مطلع لـ«الكفاح العربي», أن الإدارة الأميركية لا تهتم بضبط سوريا للمتسللين وتسليمهم إلى بلادهم, وإنما ترغب في أن يسلم هؤلاء للقوات الأميركية للتحقيق معهم. وإذا علمنا أن أكثر من 1200 متسلل تمت إعادتهم إلى بلدهم السعودية, نفهم بعض أسباب الغضب الأميركي. ويشير المصدر, الى انه ليس بإمكان سوريا التضحية بعلاقتها مع السعودية, في وقت هي بأشد الحاجة فيه إلى ترميم هذه العلاقة المضطربة منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري, خاصة وان الإدارة الأميركية تطالب بالحصول على كل شيء مقابل لا شيء, ناهيك عن إصرار سوريا على تمسكها بمبادئ التضامن العربي للحفاظ على مكانتها في الشارع. وهو ما يفسره تأكيد وزير الإعلام السوري مهدي دخل الله لـ«الكفاح العربي» بأن سبب التركيز الاميركي على سوريا «لأنها تقف ضد الحرب, وضد الاحتلال والعدوان, في زمن يسيطر عليه منطق الحروب والاحتلال», مضيفاً أن دمشق «تتمتع بقرار سياسي مستقل, فلا تأخذ مساعدات من أي دولة, وغير مدينة لأحد, ولديها اقتصاد مستقل, لذلك لديها قرار سياسي مستقل, تستطيع أن تدافع عنه, ومن يريد تشكيل هذه المنطقة, لا يعجبه ما يسمى بالظاهرة السورية, لذلك دائما الاتهامات جاهزة ضد سوريا مهما كان الحدث».
ويتفق المصدر المطلع مع وجهة نظر الوزير دخل الله من حيث استمرار التصعيد الأميركي, متوقعاً أن لا تتكلل بالنجاح المساعي السورية في التحاور مع الحكومة العراقية, وجاءت أولى النتائج بعرقلة افتتاح سفارة سوريا في بغداد, وحتى لو تم تجاوز هذه العراقيل, وأثمرت الزيارة المتوقعة للرئيس الجعفري إلى سوريا, فإن أفضل نتائجها لن تتعدى فتح ثغرة صغيرة في جدار العزل الذي تبنيه أميركا لتطويق سوريا. وقد توضح هذا بالطلب المستمر من العراقيين بعدم الانفتاح على السوريين, لإبقاء اتهاماتهم قائمة. ونوه المصدر إلى ضغط مماثل مارسه الأميركيون لمنع بريطانيا من تزويد السوريين بمناظير ليلية وتقنيات دعم مراقبة الحدود الصحراوية الممتدة بطول اكثر من 700كم. وقد سبق للوزير الشرع الإشارة إلى هذا بالقول ان «الطرف الذي يمنع سوريا من تأمين الأجهزة الخاصة لإحكام الرقابة على حدودها, هي الجهة نفسها التي توجه الاتهامات».

الأجندة الاسرائيلية
وأوضح المصدر ان المطلوب أميركياً من سوريا ليس دعم الاستقرار في العراق, وإنما تنفيذ الأجندة الإسرائيلية فيما يتعلق ببنود القرار 1559, بعدما نجحت سوريا بالفكاك منها, لدى انسحابها الكامل و السريع من لبنان. كما لفتت مصادر دبلوماسية إلى انه بمجرد استباق نتائج التحقيق في الاغتيالات التي جرت في لبنان بعد الانسحاب السوري منه, والمسارعة بترويج احتمالات قوية بضلوع سوريا بها, ومن ثم الضغط على الأمم المتحدة لإرسال لجنة للتحقق مجدداً من انسحاب الاستخبارات السورية, يعني أن الضغط على سوريا سيبقى قائماً, ما لم تساعد سوريا على تجريد حزب الله والمخيمات الفلسطينية من السلاح؛ كذلك ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان لتحديد تابعية مزارع شبعا, وإن كانت إسرائيل تلوح الآن بالانسحاب من شبعا, لإنهاء شرعية سلاح حزب الله؛ لافتاً أن ما يصح على سوريا بشأن الحدود مع العراق يصح على إيران, لكن الأميركيين لا يمارسون الضغوط ذاتها على الإيرانيين. وحين سئلت رايس عن سبب هذا الموقف قالت: «يحاول الإيرانيون إيجاد موطئ قدم لهم في العراق, وثمة تقارير بأنهم يساهمون في حالة عدم الاستقرار». وأردفت متابعة: «مهما كان موقفنا من إيران, فإننا نود أن تكون للعراقيين علاقات جيدة مع جيرانهم الإيرانيين».
ومع ذلك, لا يمكن المرور مرور الكرام على انعكاس نتائج الانتخابات الإيرانية وفوز احمدي نجاد المتشدد وامساك المحافظين بكل مؤسسات الدولة على الحسابات الأميركية للمرحلة المقبلة, وإن لم تتوضح تماماً بعد, فيما إذا كانت ستتجه للتشدد أو للتراخي بعض الشيء, خصوصا ان حزب الله لم يسكت عن التجاوز الإسرائيلي للخط الأزرق الأسبوع الماضي, ووجه رسالة لإسرائيل ولأميركا معاً, مضمونها أنه موجود وبقوة, في وقت يواجه فيه الرئيس الأميركي جورج بوش اعنف موجة انتقادات من الرأي العام الأميركي ومن أعضاء في حزبه, تتهمه بتضليل الأميركيين وارتكاب أخطاء فاحشة في حربه على العراق, وتطالبه بوضع جدول زمني للانسحاب. لا شك في أن هذا التصعيد من جانب حزب الله الهادف إلى دفع مجلس النواب اللبناني إلى إصدار بيان رفض نزع سلاح المقاومة, سيُستغل أميركياً للضغط على سوريا, والتي بدورها ستعمل على الافادة من الزمن الضائع لإعادة ترتيب الأوراق الباقية في يدها, وتحديد خياراتها المستقبلية بحثاً عن منافذ آمنة لتجنب ما يعد لها من مطبات في لبنان وفلسطين, عبر سلوك طرق عربية للتهدئة وإعادة فتح قنوات للحوار السياسي, وكان هذا واضحاً من الزيارة السريعة والمفاجئة للرئيس السوري إلى قطر وزيارة جبريل الرجوب إلى دمشق في تحرك تشير دلالاته إلى أن الحرب السياسية الإعلامية والنفسية الأميركية العنيفة على سوريا لم تفقدها التوازن, وان طرقاً عدة لا تزال مفتوحة.

حرب اقتصادية أميركية على سوريا
شددت الإدارة الأميركية من ضغوطها على سوريا, وقررت تجميد ارصدة الرئيسين السابقين لجهاز الامن والاستطلاع السوري في لبنان, غازي كنعان ورستم الغزالي, اللذين اتهمتهما «بالمساعدة في دعم الارهاب».
واعلنت وزارة الخزانة الأميركية ان كنعان, الذي يشغل حاليا منصب وزير الداخلية السوري, والغزالي هما «مواطنان محددان بشكل خاص» بموجب امر رئاسي لمكافحة الارهاب. واضافت ان «الأمر الذي صدر يقضي بتجميد اي ارصدة يمكن ان تكون لهما في الولايات المتحدة وبمنع اي شخص اميركي من عقد صفقات مع هذين الفردين».
من جهة ثانية, جمّد الرئيس الاميركي جورج بوش ارصدة شركات سورية وكورية شمالية وايرانية بتهمة الارتباط بانتشار اسلحة الدمار الشامل, وذلك بعد ان وقع قرارا يعطي السلطات الاميركية الحق بتجميد ارصدة شركات او اشخاص يرتبطون بانتشار اسلحة الدمار.
خطوة التجميد هذه اتت في امر اداري اعلنه البيت الابيض في بيان لم يحدد دولا بالاسم, الا ان ملحقا للامر الاداري تضمن اسماء 3 شركات مرتبطة بكوريا الشمالية و4 بايران وواحدة بسوريا.

مصادر
الكفاح العربي(لبنان)