أزمة البطالة الفرنسية تدخل "الطوارئ" ... و"الملاقراطية" تعيد إيران الى الوراء!

ما العمل للخروج بفرنسا من "أزمة البطالة" المستفحلة؟ وما هو مستقبل وفرص الرئيس الإيراني الجديد للمناورة في وجه خصومه الكثيرين؟ ومع بداية صيف 2005، ونهاية "السنة السياسية" كيف يمكن وصف المشهد السياسي الدولي؟ هذه أسئلة نضعها تحت دائرة الضوء في جولة سريعة في الصحف الفرنسية.

فرص العمل- الرهان الخاسر

تحت هذا العنوان جاءت افتتاحية صحيفة لوموند ليوم الجمعة، وفيها تناولت مآزق رئيس الوزراء دومينيك دوفيلبان، بعد أن وجد نفسه في مواجهة حالة سوق العمل الفرنسية المتردية التي ورثها عن سلفه جان بيير رافارين الذي سعى لتقليص نسبة البطالة في فرنسا إلى أقل من 10%، بنهاية 2005، وأعلن وقتها أنه في حاجة إلى 100 يوم لإنجاز هذه المهمة، ولكنه مضى لحال سبيله. أما خلفه دوفيلبان فعليه عمل المستحيل الآن للتغلب على هذه التركة بغض النظر عمن يتحمل مسؤوليتها. فقد سجل عدد العاطلين عن العمل في فرنسا خلال شهر مايو الماضي 2.484.100 عاطل، وهو رقم مهول بكل المقاييس. وفي كل يوم –تقول لوموند- تخبرنا جهات الإحصاء أن فرنسا ضربت رقماً قياسياً حزيناً جديداً، فنسبة البطالة عندنا هي 10.2% في مقابل معدل أوروبي عام لا يتجاوز 6.9، و40% من الباحثين عن عمل عندنا هم عاطلون تماماً في مقابل 32% هي النسبة الأوروبية. فما العمل؟ ما الذي يستطيع دوفيلبان القيام به للخروج بالبلاد من حالة الاستثناء والاستعصاء بل والعقم هذه في سوق العمل؟ إن هذه القضية أصبحت الآن قضية "طوارئ" وطنية يتعين على اليمين الحاكم البحث لها عن حلول خلاقة أكثر فاعلية من خطة الوزير "بارلو" التشغيلية، ومن وعود "شيراك 1995".

عودة إلى الوراء... في إيران

رئيس تحرير الشؤون الدولية في صحيفة لوفيغارو بيير روسلين كتب افتتاحية تحت هذا العنوان خصصها لتداعيات انتخاب الرئيس الإيراني الجديد محمود أحمدي نجاد. ويرى الكاتب أن نجاد عرَّف بسرعة العالم على نفسه وتوجهاته حين قال إن الغرض من قيام الثورة الإيرانية عام 1979 لم يكن من أجل "الحصول على حكم ديمقراطي". وفي العموم فإن ما يمكن قوله عن انتخابه في منصب رئيس للجمهورية الإسلامية هو أن المحافظين قد أكملوا الآن طوق سيطرتهم على الوضع، إذ بعدما حققوه في الانتخابات البلدية سنة 2003، والتشريعية 2004، ها هم يكملون الآن في رئاسيات 2005 بدخول نجاد قصر الرئاسة في طهران. ويعبر روسلين عن مخاوفه من حدوث انتكاسة في الحريات العامة في إيران خاصة في ضوء ما هو معروف عن الرئيس الجديد من تعلق بـ"قيم" الثورة الأصلية. والمفارقة أن الرجل هو أول "رئيس علماني" أو غير معمَّم للجمهورية الإسلامية منذ قيام الثورة، ومع ذلك أثار انتخابه توجس الدول الغربية ربما أكثر من رجال الدين الذين سبقوه في ذات المنصب. وفي سياق متصل كتب في لوفيغارو أيضاً ألكسندر أدلر مقالاً تحت عنوان:"إيران، مركز العالم"، تحدث فيه عن مدى الصدمة التي خلفها انتخاب نجاد في صفوف ليبراليي إيران وشبابها وطبقتها الوسطى، فكل هؤلاء الآن ما زالوا واقعين تحت تأثير خيبة أملهم بعد أن تمكنت ما يسميها الكاتب "المُلاقراطية" من الالتفاف عليهم وكسب الرهان في نهاية المطاف. وبغض النظر عن التوابع الجانبية للزلزال الإيراني كارتفاع أسعار النفط أكثر إلى سقف الـ60 دولاراً للبرميل، وما سجل من ردود فعل هنا أو هناك، فإن اصطفافات "ما بعد انتخاب نجاد" باتت الآن مثيرة للقلق إقليمياً وفي الداخل الإيراني أيضاً. فهل ينتهي الآن فجأة "شهر العسل اللاإرادي" بين إيران وإدارة بوش، كما بدأ فجأة أيضاً حين تكفلت واشنطن بتصفية ألد خصوم طهران، وهم طالبان وصدام معاً، وأوصلت حلفاء إيران إلى سدة الحكم في بغداد؟ يعتقد أدلر أنه بخصوص الخيارات المتاحة لنجاد، نحن أمام معادلة معقدة من الدرجة الثالثة. فإما أن يدخل نجاد حالة مواجهة مع الأميركيين وهذا سيلحق ضرراً بالغاً بنسق التحالفات السائدة حالياً في المنطقة، وإيران هي المستفيد منها بعد أن وجدت نفسها في جو إيجابي شيعي ممتد من بيروت إلى بيشاور. وإما أن يتمكن المد الليبرالي في الشارع الإيراني من التحرك ضد نجاد والاحتمالات هنا كثيرة ولا تستبعد الحرب الأهلية والعصيان المدني. وإما –الثالثة- أن يتمكن رفسنجاني من تشكيل قوة ظل تواجه حركة النظام.

صيف 2005

مجلة الأكسبرس تناولت موضوعاً مبكراً بعض الشيء، هو ما يمكن قوله عن الحالة السياسية الدولية لعام 2005، باعتبار بداية إجازة الصيف التي سيعود منها السياسيون ليجدوا أن العام انتهى عملياً. هذه السنة بدأت بوفاة عرفات، ويمكننا القول إنها انتهت الآن بالموت السريري لـ"المشروع الدستوري الأوروبي". أما خارج هذين الإطارين الدوليين فالملامح غير جيدة أيضاً، فروسيا بوتين ما زالت تستحث الخطى ولكنها افتقدت البوصلة وأصبحت تسير إلى "لا أين"، تتجاذبها نوستالجيا عظمة الماضي الذي مضى إلى غير رجعة، وتتلهى بالجلوس وحيدة على كيس نقود ثروتها البترولية المتعاظمة. والاتحاد الأوروبي يعيش إحدى أشد لحظات تاريخه حزناً، بعد الصفعتين الفرنسية والهولندية، واليسار واليمين السياسيان في القارة يعيشان حالة من الإخفاقات والانقسامات والجدالات العقيمة يرثى لها، وحصيلة نصف قرن من الديمقراطية الأوروبية باتت الآن برسم الضياع والتبدد. ثم ماذا عن أميركا؟ مع أنها تبدو مقارنة مع الآخرين في وضع أفضل، لكنها أيضاً الدولة الأكثر ديوناً وهموماً اقتصادية ومشاغلها السياسية لا أول لها ولا آخر، أما السحب الكثيرة المحتشدة في سماء واشنطن اليوم فلا أحد يضمن أنها ستمطر حلولاً خلاقة للخروج بأميركا من أكثر من مستنقع سياسي، وأكثر من أزمة في اقتصاد يزداد يوماً بعد يوم هشاشة واهتراءً.

مصادر
الاتحاد (الإمارات العربية المتحدة)