لم يفصل كثر من المتتبعين السياسيين بعض التطورات على الحدود مع سوريا اخيرا كالتدقيق المتشدد في عبور الشاحنات الى اراضيها في اتجاه دول عربية اخرى وتسريب معلومات عن توقيف شاحنات ضبطت في داخلها اسلحة ومتفجرات، عن تأليف الحكومة الجديدة في لبنان. فالتخلي عن رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي، وهو المعروف بصداقته الشخصية للرئيس بشار الاسد، امر لم يكن متوقعا الى حد بعيد لدى انطلاقة حكومته الانتقالية. وبدا ان سوريا من خلال استمرار الرئاسات الثلاث اي رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة بالعناوين نفسها التي كانت لها ابان وجودها العسكري والمخابراتي القوي في لبنان لم تخسر الكثير بعد خروج قواتها منه وهو امر ايجابي بالنسبة الى الحكم السوري داخل سوريا كما خارجها باعتبار ان البلد الصغير الذي تحكمت به طوال ثلاثين عاما لا يمكن الا ان يحتفظ لها أو تحتفظ هي لها فيه، بامتداد او نفوذ سياسي.

توقيف الشاحنات على الحدود من اجل تشديد المراقبة بدا مماثلا للاجراءات التي كانت تعتمدها دمشق قبل ثلاثين عاما حين كانت تغلق الحدود او تهدد باغلاقها لدى اي تطور سياسي لم تكن ترضى عنه. والرسالة مزدوجة بحسب ما قرأها البعض في لبنان، حتى لو صدقت النيات السورية في تبرير تشديد المراقبة ولان الاجراء ليس رد فعل على علاقات متشنجة بين البلدين:

- رسالة الى لبنان والغالبية النيابية الجديدة التي ستتسلم مقاليد السلطة التنفيذية في ظل عدم ارتياح دمشق الى التخلي عن ميقاتي الذي كان مهيأ بحكم علاقاته الشخصية مع القيادة السورية لازالة ما علق بعلاقات البلدين من شوائب، بعدم السماح لهما بالذهاب في الاتجاه المعاكس. وتاليا فان سوريا لن تتهاون بهذه الامور التي تجد تبريرا موضوعيا لها ازاء الخارج عبر ضبط الحدود ومنع مرور ما يمكن ان يرتد سلبا عليها مع الاشارة الى ان مبررها التاريخي لبقاء قواتها طوال ثلاثة عقود في لبنان كان حماية خاصرتها.

- الرسالة الاخرى موجهة الى الخارج لرد الاتهامات الاميركية والاوروبية التي طاولت دمشق في شأن الاغتيالات التي وقعت في لبنان بعد الانسحاب السوري بالايحاء ان الاضطرابات الامنية فيه تنعكس سلبا عليها وتاليا فان لا مصلحة لها فيها ولا هي مسؤولة عنها، وهي تلجأ الى اجراءات مثل مراقبة العبور الى اراضيها لمنع هذا التسيب من الوصول اليها. وبصرف النظر عما اذا كان المجتمع الدولي يقتنع بهذا المنطق ام لا، فان دمشق في حاجة الى مسؤولين في الحكومة اللبنانية الجديدة ينسقون معها العلاقات الامنية لئلا تضطر الى اجراءات من جانب واحد، ضمانا لامن البلدين، وفق ما يقرأ او يفسر البعض اداء سوريا الاخير في هذا الشأن.

يضاف الى ذلك ان الاجراءات التي تعتمدها او بعض التسريبات عن اكتشاف نقل متفجرات واسلحة يكمل المسعى الذي تسعى دمشق الى ابرازه في الاجراءات التي اتخذتها او تتخذها في شأن الحدود مع العراق. ولا يمكن احدا في المجتمع الدولي ان يمنع او يحول دون ضبط الحدود مع لبنان اذا كان يطالب بذلك مع العراق. هذا من جهة. ومن جهة اخرى، فان اعلاء الشأن الامني على كل الجبهات، مع العراق والتنسيق الوثيق في الاسبوعين الاخيرين مع الحكومة العراقية من اجل فتح سفارة سورية في بغداد وتنسيق امني يمنع التسلل على الحدود، ومع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي يزور العاصمة السورية هذا الاسبوع للتحاور مع الفصائل الفلسطينية الفاعلة امنيا في الاراضي الفلسطينية المحتلة والتنسيق مع عباس في هذا الاطار، ومع لبنان، كلها ابواب من شأنها وفق عناوينها العريضة ان تهدئ بعض الغضب على سوريا.

هذه القراءة التي قد تكون خاضعة للنقاش في مغزى الرسائل السياسية حصرا، تؤكد ان سوريا، رغم الضغوط التي تتعرض لها ماضية في سياسة حماية نفسها ومصالحها وفي الوقت نفسه اظهار قدرتها على التأثير في دول الجوار بما فيها لبنان بمعنى عدم تخليها عن دور اقليمي لها. وهو الدور الذي باتت الولايات المتحدة حصرا تنكره عليها. وفي هذا الكثير من انعكاس الصراع على لبنان الى ان تبدأ السلطة الجديدة في لبنان صياغة اخرى متكافئة للعلاقات اللبنانية – السورية.

مصادر
النهار (لبنان)