من ضغط جورج بوش على أوروبا، الى الضغط الذي تتعرض له الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، ودائماً في موازاة التعاطي مع الموضوع، او تجاهل الموضوع، في سياق تشكيل الحكومة الجديدة في بيروت، تعود مسألة سلاح «حزب الله» الى الواجهة.
وتتمثل المعضلة في ان التفكير بنزع السلاح ليس حكيماً ولا عملياً، خصوصاً بعد نتائج الانتخابات الأخيرة التي جعلت المساس بـ «حزب الله» كأنه مساس أهلي بطائفته. لكنه ليس حكيماً ولا عملياً، في المقابل، التفكير بإبقاء السلاح هذا.
ففضلاً عن مخالفته المبدأ الكوني القائل ان السلطة الشرعية هي وحدها محتكر السلاح ومحتكر الدفاع عن الحدود، يخالف الإبقاء على السلاح هذا بعض اساسيات الحياة السياسية، او المراد لها ان تصير سياسية، في لبنان.
فهناك عدم الإجماع حول السلاح المذكور، وتعارضه مع الترسيم الدولي للخط الأزرق، وتعقيده الحصول على معونات اقتصادية ومالية، دولية وعربية، والتعريض للضربات الانتقامية الإسرائيلية. وهناك، على عكس ما هو شائع عن الاندراج في المنطقة، ان السلاح ذاك يعيق الاندراج اذ تحاول انظمة المنطقة، زرافات ووحداناً، ان تبارح ساحات الموت المجاني المفتوح. اما السلاح، ففضلاً عن الربط الذي يقيمه بأكثر تيارات المنطقة هوجاً، يبقي على استحمار اللبنانيين بوصفهم ادوات في خدمة مصالح غيرهم. فكيف وأن هذا الغير، وتحديداً دمشق، لا يقولون للعالم الجملة الكفيلة بنزع فتيل مزارع شبعا. وبعد كل حساب، هناك سابقة في التاريخ امتدت ما بين 1948 و1966، تاريخ ابتداء العمليات المسلحة من الجنوب، وأفضت الى حماية لبنان بمزيج من هدنة رودس والمقاطعة الاقتصادية.
لكن الاستمرار في حمل البندقية له، بدوره، اسبابه الفعلية من وجهة نظر اصحابه، او من وجهة مصالحهم. ففضلاً عن الشعاريات الإيديولوجية التي اطلقها «حزب الله» ثم تمكنت من وعي قاعدته، هناك الطريق المعقّدة للتبلور الطائفي الشيعي: فقد رأينا مع الموارنة، قبلاً، كيف ان تبلورهم كطائفة - كيان انطوى على لحظة خارجية اساسية تم استدخالها في «المشروع الماروني»، مفادها نوع الصلة بالغرب ونوع النظر إليه. والشيء نفسه يمكن قوله في «المشروع السني» للتبلور كطائفة - كيان، حيث حل العالم العربي محل الغرب في «المشروع الماروني». وإذا جاز الكلام على «مشروع شيعي» يرعاه «حزب الله»، جاز الكلام على «المقاومة» بصفتها تلك اللحظة الخارجية المستدخَلة فيه. وربما كان استدخالها اكثر حساسية من الاستدخالين السابقين لأن درجة العنف فيها اعلى مما في الحالتين، ولأن الزمن السياسي الراهن يسجل هبوباً عنيفاً لمشاريع الطوائف الأخرى، أكان منها التي هُمّشت واستُبعدت، كالموارنة، او التي اصيبت في ذروة زعامتها السياسية، كالسنّة.
فوق هذا، يزيد التشبث بـ «المقاومة» بوصفها العلامة الأساسية على «المشروع»، ان المؤسسات التي بناها «حزب الله» لم تشذ عن المعادلة الريعية، حيث تحول المعونات الآتية من الخارج دون عمل تأسيسي صلب قابل بذاته للديمومة. فـ «الخدمات» ليست، مرة اخرى، بناء ومراكمة يُعوّل عليهما طويلاً. ولعنصر كهذا ان يفضي الى المبالغة في الخارجي تعويضاً عن الافتقار الداخلي، فكيف وأن حلول احمدي نجاد في رئاسة ايران كفيل بإنعاش الوجهة هذه، علماً بأن التجربة الأخيرة مفتوحة على احتمالات غير مأمونة في طهران نفسها، لا سيما اذا صحّت التهم في ما خص السفارة عام 1979، او تصفية عبدالرحمن قاسملو في 1989.
وقصارى القول اننا قد نجد انفسنا حيال تعادل بين الأسباب الداعية الى نزع سلاح الحزب والأسباب الداعية الى ابقائه. وهو تعادل قد لا ينجح «الحوار» في تذليله لأن الحوار، في آخر المطاف، لا يملك دائماً الطاقة السحرية المنسوبة إليه. وأغلب الظن ان الحوار يصير اثرى بالاحتمالات الواعدة اذا ما ترافق مع عروض جدية تقدّم للطائفة الشيعية في لبنان مسالم ومستقر. وتصور كهذا يبقى افتراضه مستحيلاً إن لم يكن جزءاً من وجهة تدرجية تؤول الى إلغاء الطائفية السياسية... مما تنعدم الإشارات إليها في تشكيل الحكومة وما يحيط وما قد يلي.