آخر ما تشهده مرتفعات الجولان السورية المحتلة، بدء حملة إسرائيلية لتوسيع الاستيطان اليهودي هناك، وقد اتخذت الحملة شعاراً لها “الجولان مشرع أبوابه لكم وهو مفعم بالحياة”، والهدف من الحملة جلب ثلاثمئة عائلة يهودية للاستيطان في إطار خطة العام 2005، وهو ما يتطلب بناء ثلاثمئة وحدة سكنية جديدة لاستيعاب المستوطنين الجدد.

وطبقاً للمعطيات المتعلقة بالاستيطان، فإن الحملة الجديدة من شأنها أن تضيف عمقاً جديداً للاستيطان اليهودي في الجولان، ليس فقط بما تتضمنه من معطيات مهمة في توسيع حجم الاستيطان وزيادة عدد المستوطنين وما يمكن أن يترتب عنهما من نتائج متعددة الأبعاد، بل أيضاً بما يحيط بالخطة من ظروف سياسية محلية واقليمية تترك أثرها على مستقبل مرتفعات الجولان السورية في إطار الصراع العربي ـ الإسرائيلي.

لقد مضى على احتلال الجولان من جانب إسرائيل ثمانية وثلاثون عاماً، وطوال هذه السنوات عملت إسرائيل في اتجاهين أساسيين في الجولان، كان الأول الاشتغال على ما تبقى من السكان العرب السوريين هناك بعد حرب العام 1967، والثاني إقامة هيكل استيطاني يهودي يكون موازياً للوجود السوري في الجولان ومتفوقاً عليه.

لقد سعى الإسرائيليون الى حصار من تبقى من السوريين في القسم المحتل وعددهم نحو عشرين ألفاً في خمس قري تقع في شمال الجولان، واقتضى الأمر في البداية مصادرة الأراضي والسيطرة على الموارد المائية وتقييد حركة السكان ونشاطاتهم، ثم أضاف الإسرائيليون الى سلوكياتهم تلك محاولة فرض الجنسية الإسرائيلية على السكان منذ عام 1980.

وكان الموازي لما قام الإسرائيليون ازاء السوريين من الجهة الإسرائيلية تأسيس الاستيطان اليهودي والذي بدأ مع دخول القوات الإسرائيلية الى الجولان، حيث تم تحديد عشرات النقاط الاستيطانية وبخاصة في المناطق ذات الطبيعة الاستراتيجية على خط وقف اطلاق النار، ثم بدأت عملية إقامة المستوطنات مع بداية العام 1968 في ثلاث مجموعات أساسية، مجموعة في شمال الجولان، وأخرى في الوسط وثالثة في الجنوب، وكان الأساس في إقامة هذه المجموعات تداخل بين الاعتبارات الأمنية والسياسية والاقتصادية، وهي اعتبارات تعرضت للاختبار في العام 1973، قبل أن يتم تعديل خارطة استيطان الجولان على أساسها، ليأخذ الاستيطان شكله الحالي، ممثلاً بوجود نحو أربعين مستوطنة يهودية يقيم فيها نحو عشرين ألف نسمة.

ورغم أن الوجود الاستيطاني اليهودي في الجولان له طابع استراتيجي عسكري ـ أمني، فقد استفاد من حالة السكون على الحدود السورية ـ الإسرائيلية طوال ثلاثين عاماً مضت على توقيع اتفاقية فصل القوات على جبهة الجولان عام 1975، طور الإسرائيليون خلالها بنية اقتصادية متعددة المجالات والقطاعات. ففي الجولان بنية زراعية حديثة، تشتغل على زراعات رأسمالية ـ تصديرية ومنها زراعة الورود والفواكه، ومثلها بنية صناعية حديثة في إطارها صناعات الكترونية مدنية وعسكرية، فيما طور الإسرائيليون في شمال الجولان على جبل الشيخ وفي الجنوب على شواطئ طبريا بنية سياحية صيفية في الشمال وشتوية في الجنوب يأتيها سياح من الخارج.

وبطبيعة الحال، فإن تطوير الاستيطان اليهودي في الجولان لا يتم بعيداً عن دعم ومساعدة الحكومة الإسرائيلية والمنظمات الصهيونية في إسرائيل والعالم، رغم أن الجولان يوفر ناتجاً اجمالياً يزيد عن ملياري دولار سنوياً، ولعل أحد وجوه دعم الحكومة الإسرائيلية للاستيطان في الجولان، يتمثل في إقامة البنى التحتية من شبكات طرق واتصالات وماء وكهرباء وفي تخطيط وإقامة المراكز الإدارية والصناعية والسياحية إضافة الى تأمين المياه والمراعي ووضعها جميعاً في خدمة الاستيطان الذي توسع على نحو واضح في السنوات الأربع الماضية، بالتزامن مع تقديم مساعدات مختلفة للمستوطنين أدت الى تحسينات متزايدة على حياتهم، وقد أوضحت المصادر الإسرائيلية، أن بين تعبيرات دعم الاستيطان والمستوطنين، أنه تجري حالياً عمليات توسيع في أكثر من عشرين مستوطنة، وأن مئات المساكن بيعت في الأعوام الماضية لمئات العائلات اليهودية في المستوطنات، إضافة الى أن الجولان أصبح المنطقة السياحية الأكثر شهرة لدى الإسرائيليين، فيما تجلب الزراعة وحدها للمستوطنين أكثر من مئة مليون دولار سنوياً، وهذا يعني في كل الأحوال تحسناً ملحوظاً في مستوى معيشة المستوطنين، ويشكل حافزاً مغرياً للمستوطنين الجدد بالمجيء الى الجولان.
وتزداد أهمية ما يجري على أرض الجولان في ارتباطه بالواقع السياسي القائم بين سوريا وإسرائيل وبعموم الواقع في المنطقة والعالم في تأثيراته على عملية تسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي وبخاصة على الجبهة السورية. حيث ازداد منذ بداية التسعينات الخلل في ميزان القوى العسكرية بين سوريا وإسرائيل لصالح الأخيرة، يرافقه تحسن في مكانة إسرائيل السياسية في العالم منذ تولى الولايات المتحدة زعامة العالم، وتناغم سياسة اليمين الليكودي لارييل شارون مع المحافظين الجدد بزعامة جورج بوش، وكله قاد مع عوامل أخرى الى عزوف الإسرائيليين عن الانخراط في أي مفاوضات، يمكن أن تؤدي الى انسحاب جزئي أو كلي من الجولان، الأمر الذي يعني بالنسبة لإسرائيل الحفاظ على الوضع الحالي، وخلق وقائع استيطانية جديدة في الجولان، قد تؤهلها الاحتفاظ بالجولان سواء دون مفاوضات، أو من خلال مفاوضات تجري بعد سنوات، تكون وقائع الاستيطان اليهودي استكملت فيها السيطرة على كل الجولان، فلا يبقى ما يمكن التفاوض عليه مع سوريا، التي ترسل منذ سنوات إشارة متكررة للدخول في مفاوضات مع الإسرائيليين دون رد من الأخيرين.

مصادر
المستقبل (لبنان)