وعلى خلاف العادة هذه المرة، فقد اختار جورج بوش القاعدة العسكرية (فورت براغ – شمال كاليفورنيا). وبمساعدة بعض معاونيه، قرأ بوش خطابه أمام 750 جندي منتخب من الفرقة (82اي) من وحدات الطيران والقوات الخاصة. وقد شرع في خطابه مرتديا السواري الشرفي الذي أهداه إياه والدا جندي مجهول. وتخلفت وراء كل ألوان العلم الأمريكي التي امتزجت مع صورة الرئيس العسكري، والذي هو رئيس الدولة في آن واحد. باختصار كان المشهد تماما كما تحب أن تراه الأنظمة الشمولية.

وقد دام حواره مدة 28 دقيقة، نقلت فيها وسائل الإعلام صورة الرئيس عبر الأثير، يحجب وراءه رموز كل الشركات التجارية الممولة لهذا البث الحي. وكان المشهد أكثر ما يعبر عن السياسة التي تأخذ شكل التعامل التجاري لا غير.

وحسب آخر عمليات سبر الآراء، فان جورج بوش قد حاول الإجابة في كل مرة عن الانتقادات الموجهة إليه بخصوص الحرب على العراق، كما حاول إقناع الرأي العام بجدوى الالتفاف حول تداعيات هذا الصراع. وبالنظر إلى ملحوظات مستشاره كارل روف، فانه قد تحدث ولأكثر من خمس مرات عن تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر.


" إن قواتنا هنا، وفي مناطق العالم، تخوض حربا عالمية ضد الإرهاب. هذه الحرب التي تعدت حدودنا يوم 11سبتمبر 2001. إن الإرهابيين الذين هاجمونا، والذين يقفون ضدنا، يقتلون باسم إيديولوجية شمولية ومعادية للحرية، إيديولوجية تحارب التسامح...(..). بعد الحادي عشر من سبتمبر، اتخذت إجراءات أمام الشعب الأمريكي: إن بلدنا هذا لا يمكنه أن ينتظر هجمات أخرى. يجب أن ننقل الحرب إلى ساحة العدو. نحن ندافع عن حريتنا...(...). إن أعداءنا لا يمكنهم أن ينتصروا إلا إذا نسينا نحن دروس 11سبتمبر...، وإذا تركنا مصير العراق إلى رجل مثل الزرقاوي، ومستقبل الشرق الأوسط إلى رجل مثل بن لادن...إنهم يحاولون كسر إرادتنا بالعراق، مثلما حاولوا كسرها يوم الحادي عشر من سبتمبر2001. لن يتم لهم ذلك...(...) لقد قلت للأمريكيين إن الطريق أمامنا وعرة وأننا سننتصر. وها أنتم كما ترون، هي طريق وعرة ونحن بصدد النصر"

لقد تمت صياغة المبررات، في الوقت الذي كان الرأي العام الأمريكي يعتقد أن ثمة قاعدة عسكرية لتنظيم القاعدة تم إنشاؤها بالعراق برعاية صدام حسين، وبأن دكتاتور بغداد قام بتجميع الكم الهائل من أسلحة الدمار الشامل استعدادا لمهاجمة الولايات المتحدة.

لكن اليوم وبعد أن تم تفنيد كل هذه الدعاوى، فلا زال بوش يصر على اعتماد هذه المبررات لأنه يعلم أن معارضيه لن يتجرأوا أن يردوا منطقه هذا. وهذا هو سر تحركات إدارة جورج بوش: فبتجميعه للطبقة السياسية المعارضة لبلاده وللدول الأخرى المصدقة لأكاذيب 11 سبتمبر 2001، وهذا ما أضعف هذا المعارضة. وأي احتجاج من طرف المعارضة، سيقابل بمبررات الرد على أسطورة المؤامرة الإسلامية العالمية التي وقفت خلف تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر. وكل ردة فعل من إدارة بوش، لا يمكن أن تفسر إلا على أساس أنها رد على الإرهاب، على بن لادن، على الزرقاوي وأنصارهما.


"إن عملنا بالعراق جد صعب وخطر. وكالكثير من الأمريكيين، فاني أرى هذه الصورة الدموية. إنها صور رهيبة، وان المعاناة كبيرة. وأنا أعرف أنه في خضم هذا العنف، فان الأمريكيين يتساءلون: هل كان لكل هذه التضحيات مبرر؟ نعم لقد كان لها مبرر، وأهم مبرر لذلك هو مستقبل حماية بلدنا"

أما عن أولئك الذين بدأوو يتساءلون عن موت ما يقارب 1730 جندي أمريكي. [1] بالعراق، فان الرئيس أجاب أن كان لابد منه بالنظر إلى خطر محدق. والحرب ضد التنظيم المتآمر العالمي، والذي لا ينشط فقط في واشنطن، نيويورك وجزيرة سيلفانيا، بل قد تعدى إلى " القتل بمدريد، باسطنبول، بجاكرتا و الدار البيضاء، وبالرياض إلى جزيرة بالي وغيرها" وتفسير كهذا يقابله سؤالين عريضين: لماذا ذهبت قوات المارينز إلى العراق؟ وكيف يمكن إصلاح الأوضاع بالزج بهم في ساحات المعارك؟

لم يتوانى السيد بوش مرارا في اللعب على مشاعر معارضيه السياسيين. فالكل يعلم أن أمن الولايات المتحدة لم يكن مهددا لا من طرف العراق ولا من طرف دولة أخرى. وكان التهديد الوحيد المحدق، هو وقف إمدادات الطاقة لهذا البلد. وقد سيقت الحرب على العراق في اطار حملة كبيرة الهدف منها استنزاف الطاقة الهيدروكربونية لمنطقة الخليج العربي الفارسي، مهما كلف ذلك من ضحايا. ولا الديمقراطيون ولا الجمهوريون كانوا بقادرين عن الحديث عن تدهور مستوى المعيشة الأمريكية، أي مستوى التبذير القياسي الذي سجلته معدلات الاستهلاك. وأمام كل هذا لا أحد وجد الجرأة ليتكلم عن آثار الحرب.

ومهما يكن، فالسيد بوش قد شرح برنامجه "عرقنة الصراع"، والذي من نتائجه تكوين فرق قمع عراقية بإشراف وحدات أمريكية، زرع عناصر تقنية مستشارة في صفوف وحدات القمع هذه و وصاية الولايات المتحدة على الأجهزة الإدارية المحلية بما فيها الدفاع والداخلية. وطبعا ليس غريبا هذا كله بالنسبة لمن عاصروا عهد فيتنام.

والموضة الجديدة هذه المرة في خطاب جورج بوش، هو أن السيد بوش خاطب شعبه وخصوصا الشباب منهم، طالبا منهم مناصرة العسكريين حتى على جبهات القتال.

"وبمناسبة العيد الوطني-4 جويلية-، فأنا أدعوكم إلى أن تشكروا أولئك الرجال والنساء الذين يدافعون عن حريتنا. لنرفع علمنا احتراما لهم ولنرسل لهم رسائل ولنمد يد العون لعائلاتهم. وأخبركم أن وزارة الدفاع قد أنشأت موقعا الكترونيا خاصا بهم(AmericaSupportsYou.mil). [2] يمكنكم أن تتصفحوه لتتعرفوا على نشاطات أهالي بلدكم في هذا المجال. وإننا في الوقت الذي نحتفل فيه بعيدنا الوطني، فإننا نعرب عن تحايانا لأولئك الذين يدافعون عنا جميعا"2

"و إلى أولئك الذين يشاهدون التلفاز هذا المساء، والذين يرغبون في مستقبل أفضل بجيشنا، أقول لهم ليس هناك خدمة أشرف من خدمة قواتنا العسكرية. إننا أحرار لأن كل الأجيال قدمت أبطالا رغبوا في الدفاع عن قضايانا الكبرى. إن أولئك الذين يرفعون علمنا الآن في هذه الساعة، يتمتعون بالمكانة التي تجعلهم في مصاف الأجيال العظيمة التي حمت وطننا"

وعلى كل حال، فان عسكرة المجتمع الأمريكي متواصلة على قدم وساق، كجواب وحيد للأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تشهدها البلاد.

ترجمه خصيصا لشبكة فولتير: هلالي توفيق جميع الحقوق محفوظة 2005©

[1هذا الرقم وفق الإحصائية التي عرضتها وزارة الدفاع، والتي لا تأخذ في الحسبان الخسائر المادية والبشرية التي عرفتها باقي الوزارات والوكالات الأمريكية، وبالخصوص وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكيةـ إضافة إلى الخسائر في أرواح العملاء العاملين لدى قوات التحالف وقوات الأمن الخاص.

[2لقد خصصنا على شبكة فولتير مقالا قصيرا عن الموقع الالكتروني الذي أشار إليه جورج بوش في خطابه.