لقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس في دمشق ترحيباً لم يتوقع أن تكون نسبة الدفء فيه على الارتفاع الذي جاءت عليه، وهو ترحيب رحل الرئيس السلف ياسر عرفات وهو يتطلع الى الحصول عليه•• إلاَّ ان الرياح السورية كانت تجري في استمرار بما لا تشتهيه السفينة العرفاتية وربانها الماهر أبو عمار•

وبعد دمشق سيلقى الرئيس الفلسطيني في بيروت ترحيباً من النوع نفسه وستكون له جولات من المحادثات واللقاءات تعزز التوجه السائد في لبنان نحو تخفيف المعاناة المعيشية والاجتماعية عن عشرات الالوف من الفلسطينيين وكان قرار السماح لمن هم من مواليد لبنان بالعمل في قطاعات محددة رآها البعض محدودة واعتبرها البعض الآخر بأنها خطوة على طريق المزيد من الخطوات، بداية وليس كل شيء•

بطبيعة الحال ان الظروف الصعبة التي يعيشها الحكم السوري بسبب الضغوط الاميركية والاوروبية الى حد ما عليه تمثل عاملاً مهماً في هذا الود من جانب الرئيس بشَّار الأسد نحو أهل السلطة الوطنية الفلسطينية والذي بلغ مداه الملحوظ على الصعيد الشخصي عندما أقام الرئيس بشَّار مأدبة غداء رسمية تكريماً للرئيس محمود عباس دعا اليها القيادات الفلسطينية الموجودة في دمشق• ومثل هذه اللفتة الى جانب خطوات اخرى لاحقة متوقعة من بينها تبادل التمثيل الدبلوماسي وفق الاصول الرسمية المتَّبعة كأن يتم انشاء سفارة لفلسطين في دمشق، تترك انطباعاً بأن الرئيس بشَّار يريد توحيد الجناحين الفلسطينيين جناح السلطة الوطنية الفلسطينية وجناج المعارضة الفلسطينية التي تتخذ من دمشق ساحة اعلامية وسياسية لها• بل ونكاد نقول انه وفي إطار عملية الترميم التي يقوم بها يريد وقف الاسطوانة الاميركية المتصهينة الدائمة التشغيل والمتضمنة اتهام الحكم السوري بأنه السند للفصائل الفلسطينية المتشددة وللزعامات الفلسطينية المعروفة بأنها رمز الرفض•

أما بالنسبة الى لبنان فإن هنالك في الأفق الدولي استحقاقات كثيرة يدخل طرفاً فيها ومن بينها ما يقال ان لبنان سيأخذ حصته من التوطين وأن هنالك مبادرات دولية كثيرة ستحدث في هذا الشأن من بينها اسقاط الديون التي يرزح تحت عبئها والتي قد تصل عند انضاج التسوية الدولية للنزاع الفلسطيني - الشاروني تمهيداً لوضع الصراع العربي - الاسرائيلي على طريق الحل، الى خمسين مليار دولار• ومن بين المبادرات أيضاً ان يكون لبنان ساحة عمل للفلسطينيين على أن يكون الاردن والعراق هما مكان التوطين وفي هذه الحال سيبقى إسقاط الديون وارداً وستكون حال الفلسطينيين في لبنان مثل حال المليون سوري الذين كانوا حتى الانسحاب يعملون في لبنان ساحلاً وجبلاً آمنين مطمئنين كاسبين غانمين•

ومثل هذه الامور تدخل في صلب الزيارة العبَّاسية لكل من سوريا ولبنان، فضلاً عن ان الرئيس الفلسطيني الذي بات موضع الاهتمام والثقة من جانب الادارة الاميركية والحكومات الاوروبية فضلاً عن علاقة متميزة بينه وبين كل من روسيا والصين يمكن ان يقوم بدور الوسيط المسموع الرأي والنصيحة بين سوريا ولبنان من جهة والادارة البوشية في الطرف المقابل• وما نقصده بالتوسط هنا ليس ايجاد حلول سريعة وإنما على الأقل تخفيف لهجة التخاطب بكل ما يحويه من مفردات استفزازية وإيجاد مساحة حوار يقلل من الاحتقانات التي في الصدور والتي في حال عدم التقليل منها إحداث المزيد من التأزم الذي يتسبب في انفجارات تشهدها المنطقة التي تعيش لحظات من الغليان• وهنا نشير الى ان عدم التنبه الى مخاطر الاحتقانات يقود الى حالات من العنف كتلك التي حدثت أمس في العاصمة البريطانية لندن وسقط نتيجة لمسلسل التفجيرات العشرات بين قتلى وجرحى وبدت لندن وكما لو انها تعيش يوماً أشبه بـ 11 أيلول النيويوركي، بينما المفترض ان تعيش حالة زهو بعد فوزها باستضافة دورة الالعاب الاولمبية للعام 2012 للمرة الثالثة على التوالي متفوقة بذلك على باريس وعلى مدريد وموسكو ونيويورك•

ما نتمناه لهذا الوفاق الفلسطيني - السوري هو الصمود والتطوير وهي الأمنية نفسها للتوافق الفلسطيني - اللبناني• أما "الخميس الاسود" اللندني فإن استنكاره واجب على كل عربي ومسلم كما أنه مناسبة لكي ينتقل المجتمع الدولي من التنظير الى وضع الاصبع على الجرح الذي ينزف••• وهو ما لم يفعله ممثلو أغنياء العالم الذين عقدوا قمتهم في اسكوتلندا قبل أمس والذين لو قالوا كلمة حق في ما يحدث في المنطقة لكانوا ساهموا في محاصرة العنف وأنقذوا الأرواح البريئة•

مصادر
اللواء (لبنان)