تندر السوريون على التحالف الديمقراطي السوري, وأطلقوا عليه «معارضة واشنطن» ضمن سياق حملة قاسية شنت عليه من مختلف الأطراف, لم تتخلف عنها السلطة ولا المعارضة. أحد الكتاب الصحفيين عبر عن استيائه, وقد يكون محقاً, لكن ليس قبل مناقشة حججه.

ولكي نكون منصفين, لا بد من الإطلاع على ما تطرحه المعارضة الموجودة في واشنطن, وقد بشرتنا أخبار الأسبوع الماضي بولادة «المجلس الوطني السوري» من أجل «تحقيق التغيير الديمقراطي في سوريا», بالتنسيق مع قوى المعارضة داخل سوريا وخارجها.
ولولا اهتمامي بالموضوع بدواعي متطلبات المهنة, لما استطعت تمييز «المجلس الوطني السوري» عن «التحالف الديمقراطي السوري», وان الأول لفريد الغادري والثاني بزعامة محمد الجبيلي. وهكذا أكون اجتزت المرحلة الأولى في فهم خلطة واشنطن. أما المرحلة الثانية, الأكثر تعقيداً, فقراءة بياناتهم وحواراتهم وكل ما صدر عنهم وحولهم من تصريحات ومعلومات, وبما ان الانترنت ملعب السوريين الافتراضي, وصلة الوصل السريعة بين الداخل والخارج, خضت في هذه المعمعة وخرجت بأكثر من مائتي صفحة, بدوت وأنا اقلبها «كمن ضيّع جحشة خالته», وهذا حالي كلما دوخني التأكد من دقة معلومة ما أثناء البحث. وأكاد أجزم بعد تغطيسة أسبوع كامل في لجج الانترنت, أنني لم أجد جحشة خالتي في خبصة الدعاية السياسية. فكلما عثرت على تصريح أو معلومة, برزت غيرها تنفيها.
بعد استبعاد ركام المعلومات المتضاربة, وما يتعلق بالتاريخ الشخصي, والاكتفاء بالبيانات الرسمية, من الواجب القول إنه من التجني, وضع المعارضة والمعارضين في الخارج جميعاً في سلة واحدة, مقابل سلة أخرى لنظرائهم في الداخل, ومحاولة فرزهم وفق تصنيف صارم, معارضة وطنية وأخرى غير وطنية. وقد يقول قائل إن السلطة هي من يروج لهذا الفرز, وليكن؛ ألا يقع جزء كبير من المسؤولية عن هذا التشويش على عاتق المعارضة والمعارضين, والذين من حسن حظهم ظهور التصنيف الثالث «معارضة واشنطن» على الأقل لتمييز «المعارضين الأميركيين»؟ أقول هذا ليس لاتهامهم بالأمركة أو تخوينهم, بل لأنهم وكما يعلنون في بياناتهم أنهم مواطنون أميركيون, وعلى هذا الأساس يبررون استعانتهم بحكام بلادهم الأميركية على حكام «بلادهم السابقة سوريا», ويفخرون بإقامتهم تحت ظلال العلم الأميركي, ويعدون نجومه قبل النوم, حالمين بسقوطها على أكتافهم, وهم يرسمون طرق الوصول إلى كراسٍ ومناصب, يعتقدون أنها محجوزة لهم!!
لا نعلم على أي أساس يتخيلون أن البلاد التي خلفوها وراءهم, توقف بها الزمن منذ رحيلهم, وهي قابعة على عتبة الباب, واضعة خدها على يدها, بانتظار عودتهم لينفضوا عنها الهم والغم! وبأي حق يتحدث مواطنون أميركيون باسم 18 مليون سوري معظمهم ولدوا بعد هجرتهم؛ شباب فتحوا أعينهم على أبشع صور الاحتلال في فلسطين, وتجرعوا المرارة في لبنان, قبل أن تقض دماء العراقيين نومهم وتغرق أحلامهم؟!
السوريون الذين يحفرون في قلوبهم خريطة سوريا خالية من الاحتلال, كيف سينظرون إلى هؤلاء المتبارين في واشنطن على نيل الولاء للمصالح الأميركية؛ مصالح بلادهم؟ وهم يمهدون الطريق أمام الفوضى وليتهم يكتفون بسباق نشر غسيلهم الوسخ, لا بل أن بعضهم لا يخجل ولا يخشى من طرح مشروع «سوريا الفيدرالية»!! فماذا يتوقعون؟
استقبال بالأرز والورود ؟... إذاً فليأتوا.
أنه الزمن الأغبر, حين يطلق على أعداء سلامة سوريا «معارضة سورية», أو حتى «معارضة» سواء أكانت «معارضة واشنطن» أو غيرها من صفات, لما فيه من إساءة إلى المعارضة السورية, وأيا كان الخلاف مع طروحات بعضها, والنفور والخوف من النزعة الثأرية عند بعضها الآخر, لا يمكن نكران الأثمان التي سددتها, ولا المواقف التي اتخذتها, فلم تراهن على استقلال بلادها, ولم يجرفها التيار الأميركي رغم ضعفها, لتبقى قوية بانتمائها وإخلاصها لسوريا والسوريين.
اليوم «المعارضة السورية» في الداخل والخارج, معنية ومسؤولة أمام السوريين عن فرز الحابل عن النابل, ووضع حد لظهور أنبياء التغيير الدجالين. قبل أن يسرقوا أمن الوطن, مثلما يحاولون سرقة المعارضة.

مصادر
الكفاح العربي(لبنان)