الطاقة السياسية السورية اليوم ليست في مجال اختبار، فالتوتر في الشرق الأوسط إجمالا تجاوز هذه المرحلة، وربما قفز أيضا من عتبة المواجهة إلى مرحلة فرض الواقع، بغض النظر عن قدرة إيجاد تكوين سياسي جديد.
والطاقة السياسية السورية وفق العديد من التحليلات ما تزال تعتمد على التكوين السياسي الذي تشكل منذ عهد الاستقلال، عبر أحزاب سياسية سواء كانت ضمن السلطة السياسية أو خارجها. كما أن التكوين السياسي الحامل لنفس الخطاب القديم مع استبدال إجرائي للمصطلحات، لم يعد يحتاج لقراءة، بل ربما لاعتماد الطاقة الاجتماعية لمواجهة احتمالات المستقبل.
ما يواجهنا اليوم هو وضع حيوي على الصعيد الدولي والإقليمي، وعلى الأخص في استراتيجية محاربة للإرهاب التي أعادت رسم الأولويات الاستراتيجية، ودفعت العالم باتجاه تصور جديد لمفاهيم العلاقات الدولية. فالحرب على الإرهاب ليست إجراءات فقط على الصعيد الدبلوماسي، كما انها لا تتضمن فقط العمليات العسكرية في أفغانستان والعراق، بل هي تصور للعالم تسعى الولايات المتحدة إلى تجسيده على شكل إجراءات وسياسات تطال العالم.
الوضع الحيوي لا يتضمن واقع ما بعد الحرب العالمية الثانية، كما انه بعيد تماما عن فلسفات وأفكار المراحل المبكرة لما بعد الحداثة او حتى الحداثة نفسها، لذلك فإن النظم الفكرية التي واجهنا بها العالم عشية الاستقلال ربما تحتاج إلى قراءة جديدة. والأحزاب التي اعتبرناها قادرة على التعبير عن المصالح الاجتماعية ربما تشكل مأزق الحاضر.
والوضع الحيوي يجب أن لا يغرينا بالاستنتاج السريع، فما نشهده اليوم على الساحة الدولية ليس انتصارا للديمقراطيات، وربما يكون هذا الأمر موجودا في المشهد العالمي، لكن هذا الانتشار لا يعبر بالضرورة عن واقع دولي يعيد تشكيل نفسه بما يتوافق مع الانقسام الحاد في العالم، أو الصورة القاتمة التي ترسمها فلسفة محاربة الإرهاب.
الشكل الاستبدادي للأنظمة السياسية ليس مشكلة الوضع الجديد عالميا، فمسألته أوسع من تشكيل نظام ديمقراطي عالمي، لأنه في النهاية يخوض حربا واسعة، وهو – على فقدان الإرهاب لاستراتيجية واضحة – يريد أن يضمن أمنا لجغرافيته التي تشكل هدفا لبعض الخلايا النائمة.
لن نستغرب تعبير غزوة لندن ... لكننا نستغرب انغماسنا في عدم البحث من الجديد عن موقعنا داخل هذا العالم المتقلب ... وهذا الموقع هو بحث أيضا عن أنفسنا ومصالحنا الاجتماعية كي نواجه المستقبل.