الصحف الفرنسية انتقلت بسرعة أواخر هذا الأسبوع من حرب كلامية وسجال حامٍ مع البريطانيين ومع مدينة لندن تحديداً إثر فوزها على باريس بتنظيم الأولمبياد، إلى استدعاء لغة التضامن الأوروبي والتعاطف بعد هجمات الخميس الماضي.

صراع قيم

هذا هو عنوان افتتاحية صحيفة لوموند ليوم الجمعة الماضي، وقد خصصتها –كما يمكن أن نتوقع- لتداعيات هجمات لندن يوم الخميس الماضي. وترى الصحيفة أن تلك الهجمات جاءت لتعكر لحظة فرح مغموس بالانتصار، إثر اختيار لندن لإقامة أولمبياد 2012، وفي وقت تم فيه التجديد لرئيس الوزراء توني بلير لولاية ثالثة، ويتولى فيه رئاسة الاتحاد الأوروبي ومجموعة الثماني معاً. ولكن أبى من دبر تلك التفجيرات إلا أن يحول الفرح إلى حزن وحيرة مقيمة ذكـَّرت الجميع، بحقائق هذا العالم الذي نعيش فيه، وهي على كل حال حقائق صعبة وثقيلة. وأثنت لوموند على عزيمة بلير وقادة الثماني بمواصلتهم قمتهم، لأن تعليقها تحت ضغط وتدافع الأحداث، كان سيعتبر نجاحاً ومكافأة للإرهابيين. غير أن ثمة شيئاً من طعم المفارقة –تقول الافتتاحية- هو أنه في الوقت الذي وجد فيه مئات الآلاف من بسطاء الناس الذاهبين إلى أعمالهم والمتزاحمين في وقت الذروة أنفسهم وسط الدخان والنار والانفجارات في قطارات الأنفاق، كان آلاف عناصر الشرطة البريطانية يتزاحمون هناك في إسكوتلندا لحماية قمة مجموعة الثماني، وقادتها ووفودها وهرجها الإعلامي. لكن حمايتهم ممن؟ لسخرية الموقف: من مناهضي العولمة! صحيح أن بين هؤلاء متطرفين أيضاً، لكنهم في مطلق الأحوال يمارسون التعبير عن مواقفهم بالطرق السلمية التي تضمنها لهم الديمقراطية الليبرالية أصلاً. أما من نفذوا هذه التفجيرات، والمرجح أنهم من المتطرفين الإسلاميين، فمشروعهم هو القضاء على العالم الغربي عامة، والمواجهة معهم في حقيقتها هي صراع قيم متناقضة، لا مجال للتعايش بينها بوجه من الوجوه. قيم مجتمع حر ليبرالي يسعى للازدهار وترسيخ الحرية للجميع، في مواجهة قيم العنف والقمع والوحشية والإرهاب في أشد أشكاله قسوة وقوة وعولمية. وتنهي الصحيفة افتتاحيتها بالقول إنه على الغرب عدم تحميل عامة المسلمين مسؤولية ممارسات مجموعات متطرفة وإجرامية كهذه، وإن على الدول الديمقراطية أن تجد الطريقة المناسبة لحماية نفسها من مثل هذه الهجمات، والمؤكد أن الديمقراطيات ستنتصر في المدى البعيد في هذه المواجهة. أما في صحيفة لوفيغارو فجاءت افتتاحية نفس اليوم بقلم رئيس تحرير الشؤون الدولية بعنوان:"غضب وعجز"، وعبر فيها عن ضيق شديد من استمرار التهديد الإرهابي مؤرقاً ومتنامي الأثر والخطورة على المجتمعات الغربية. وقال إن الإرهابيين اختاروا ضرب وسائل مواصلات عامة مليئة بالموظفين والعمال البسطاء لإيقاع أكبر قدر من الخسائر في صفوفهم، وإن المستهدف الأساسي من هذه الهجمات هو قمة الثماني، في مؤشر خطير للغاية، يذكر باستغلال توقيت الانتخابات الإسبانية في تفجيرات مدريد، لإحداث تحول سياسي رأينا أنه وقع فيما بعد فعلاً. وينصح روسلين قادة الدول الثماني بتناسي خلافاتهم وجدالاتهم العقيمة السابقة على الهجمات ورص الصفوف لمواجهة هذا التهديد المشترك.

تسونامي الرحيل

صحيفة لومانيتيه نشرت تحقيقاً أعده مراسلها في إحدى المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة حول الأجواء المحمومة السائدة الآن في صفوف المستوطنين الإسرائيليين الذين سيتم طردهم من الأراضي الفلسطينية، في موعد يفترض أنه سيحلُّ بعد 39 يوماً من الآن. المراسل فاليري فيرون قال إن المستوطنين ينظرون إلى خطة الانسحاب من غزة باعتبارها نوعاً من "تسونامي" قادماً لاقتلاع “كرافاناتهم” من مواقعها على شواطئ البحر، وإن كثيرين منهم ينتظرون بنوع من “الأمل” حدوث "معجزة" ما في اللحظة الأخيرة. وينبِّه المراسل هنا إلى دور "المعجزات" في الذهنية الإسرائيلية، وفي تاريخ الكيان الإسرائيلي أيضاً. ويقارن الكاتب بين واقع حياة ومعيشة المستوطنين والدلال المبالغ فيه الذي يتعاملون به مع الحكومة الإسرائيلية وبين واقع حياة الفلسطينيين الموجودين على الطرف الآخر من مرمى البصر من هذه المستوطنات، والذين أقصى ما يستطيعون الحصول عليه من "حقوق الإنسان" هو السماح لهم بعبور نقاط التفتيش الإسرائيلية للعمل أجراء زراعيين يدويين في المزارع الإسرائيلية، إلى جانب العمال التايلنديين والنيباليين وغيرهم.

محادثات حرب

في مجلة الأكسبريس خصص فينسان هيغو عموده الأسبوعي للأبعاد السياسية لما قيل إنها محادثات أجرتها الإدارة الأميركية مع ممثلين لـ"المقاومة" العراقية، مؤكداً أن المرء عادة لا يفاوض سوى أعدائه، بغية التغلب على أسباب النزاع، هذا صحيح سياسياً لكن صحيح أيضاً سياسياً أن أية مفاوضات لابد أن تقوم على نوع من الشرعية والمصداقية لكلا طرفيها. والمشكلة في حالة التفاوض مع المقاتلين في العراق هي أن على الإدارة الأميركية أن تميِّز بشكل واضح بين بعض الناقمين على وجودها في العراق من النخب العلمانية والبيروقراطية السنية التي كانت قائمة قبل مجيئها، وبين الإرهابيين بالمعنى المباشر للكلمة. فـ“الجيش الإسلامي” مثلا هو من أعدم الصحفي الإيطالي آنزو بالدوني، و“أنصار الإسلام” يتحملون المسؤولية عن أكثر من مجزرة في العراق خلال السنتين الماضيتين. ويرى هيغو أن غرض مفاوضات "بلد" وعمان مع المقاتلين العراقيين ربما كان إيجاد نوع من افتراق المصالح بين النخب العلمانية وبين مقاتلي “الزرقاوي”، ولكن مع ذلك لابد أن يضمن الأميركيون حداً أدنى من المصداقية للأطراف التي يتفاوضون معها، كما لابد من التأكد من مدى تمثيلها لقطاعات واسعة من السنة العراقيين. ما جدوى التفاوض طالما أن الأميركيين غير مستعدين للحديث أصلاً عن جدولة انسحابهم وطالما أن المقاتلين لم يفكوا ارتباطهم بالجماعات الإرهابية وطالما أنهم لم يقدموا أدلة عن مدى فاعليتهم في تهدئة الوضع، وفي نفاذ كلمتهم على الطائفة السنية العربية في العراق، بشكل عام.

مصادر
الاتحاد (الإمارات العربية المتحدة)