نفى الرئيس السوري بشار الاسد، في تحقيق نشرته المجلة الاسبوعية لصحيفة “النيويورك تايمس”، ان تكون سوريا ضالعة في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، مذكرا بان بعض حلفاء سوريا في لبنان اغتيلوا في السابق من غير ان تعرف الجهة المسؤولة عن اغتيالهم. واضاف: «هناك دوما اغتيالات في لبنان».

وفي اشارة ضمنية الى ان العلاقات الدولية للحريري ربما تسببت باغتياله، قال الاسد«الحريري كان رجل اعمال عالميا. ولا نعرف شيئا عن علاقاته» .

وسئل هل يوافق على ما جاء في مقال لوزيرة المغتربين السورية بثينة شعبان من ان الاستخبارات الاميركية او الاسرائيلية مسؤولة عن اغتيال الحريري، فأجاب: «حتى لو اردت لوم أي لاعبين دوليين او محليين، لا استطيع ان اقول ذلك كرئيس» .واكد ان حكومته نفذت كل ما هو مطلوب منها في قرار مجلس الامن الرقم 1559 وانها سحبت كل قواتها العسكرية ومخابراتها من لبنان.

وسئل هل هو مستعد للمساعدة في تطبيق البنود الاخرى من القرار، مثل نزع سلاح "حزب الله"، فأجاب: «طلبوا من سوريا عدم التدخل في لبنان، ولذلك فهذه مسألة لا تعنينا».

وحذر من ان التطرف الديني الاسلامي يمثل الخطر الاكبر الذي يهدد الشرق والغرب على حد سواء، ووصف جماعة “الاخوان المسلمين” في سوريا، في معرض تبريره لاعتقال شخصيات تنتمي الى "منتدى الاتاسي" بعد تلاوتهم بيانا لقيادة “الاخوان” في الخارج، بـ“الارهابيين”، واتهمهم بقتل 15 الف سوري، وشدد على ان صون الاستقرار هو في رأس اولوياته. وافاد ان المؤتمر القطري الاخير لحزب البعث ادى الى تغييرات وضعت البلاد على الطريق اقتصاد السوق وسمح له بالتخلص “من الحرس القديم” الذين كانوا من اعمدة نظام والده الراحل حافظ الاسد. وقال: “لقد رحلوا الان، وحققنا هذا التغيير”.

ونبه الى انه يمكن ان يكون للتوترات الطائفية في المنطقة تأثير مماثل لوقوع الاحجار في لعبة “الدومينو” حيث يمكن ان تبدأ هذه الاحجارة بالوقوع في لبنان وسوريا لتشمل منطقة واسعة بما فيها الشرق الاوسط، حتى حدود جنوب روسيا.

ودافع عن الاجراءات المتخذة ضد “منتدى الاتاسي” قائلا ان اعتقالهم مماثل لاعتقال الولايات المتحدة اي خلية تنتمي الى تنظيم “القاعدة”، واتهم في هذا السياق “الاخوان المسلمين” بالارهاب.

التوترات الطائفية

وتناول المقال المأزق الطائفي للقيادة السورية، فقال ان الاسد استخدم الطائفية في حديثة ايجابا وسلبا، اي ان حزب البعث خفف التوترات الطائفية، عندما قال ان وجوده في السلطة يبين عمق التغيير الذي طرأ على وضع العلويين في سوريا بعد الاضطهاد التاريخي الذي تعرضوا له. وفي المقابل لفت الى استمرار خطورة هذه التوترات.

وجاءت اشارته اليها، في سياق تأكيده الهجمات التي شنتها أخيرا عناصر مسلحة تنتمي الى تنظيم يسمى "جند الشام". وكشف ان هذا التنظيم كان يعتزم استخدام طفلة عمرها ثلاث سنوات بعد ربطها بالمتفجرات لتفجير وزارة العدل السورية. وقال ان السلطات نجحت في كشف مؤامرة لمهاجمة السفارة الاميركية في دمشق بالرصاص والقنابل.

ونسب المقال الى الاسد ان الاميركيين لا يفهمون ما سماه العدو المشترك، أي قوى التطرف الديني والتعصب التي قال ان سوريا تحاربها منذ الخمسينات، في اشارة ضمنية الى التنظيمات الاسلامية السنية المتشددة. واضاف: "هذه الحالة الذهنية خطيرة بالنسبة الى الجميع، الشرق والغرب والجميع".

وذكر ان لديه صيغة من ثلاثة عناصر لحكم البلاد، تبدأ بتحقيق الاستقرار وصونه، لكن تحقيق هذا الهدف والتصدي للتطرف يتطلب تحقيق ازدهار اقتصادي جديد، وهذا بدوره يتطلب تحقيق الديموقراطية.

الديموقراطية

وسئل هل يعتقد ان السوريين قادرون على التعبير عن آرائهم بحرية، فاعترف بغياب هذه الحرية قائلا، في انتقاد ضمني لحقبة والده.« كلا، نحن لا نقول اننا حققنا الديموقراطية. لا ندّعي ذلك. انها طريق طويلة، لكننا نسير عليها... السؤال الذي يجب ان نطرحه اليوم هو هل الوضع اليوم هو كما كان قبل 10 سنين؟ بالتأكيد ليس كما كان آنذاك. هذا طريق علينا ان نمشيه».

وفي اشارة الى الضغوط الرامية الى التعجيل في الاصلاح، قال: «يريدوننا ان نقفز، واذا قفزت ستقع على رأسك». وشدد على اولوية الاصلاح الاقتصادي قبل السياسي، قائلاً ببعض نفاد الصبر: «ما الذي علي ان اطعمهم؟ البيانات؟" ام الورق؟ يريدون ان يأكلوا طعاماً». وأبرز ضرورة الاسراع في التصدي للفساد «واذا لم يكن لدينا حزب جديد اليوم، نستطيع ان نحقق ذلك بعد سنتين ولن يموت احد، ولكن اذا لم يتوافر لهم الغذاء اليوم، فإنهم سيموتون غداً».

وتحدث المقال عن التحديات التي تواجهها سوريا حيث يصل معدل البطالة الى 20 في المئة، وحيث من المتوقع كما يقول الاقتصادي نبيل سكر ان تضطر سوريا الى بدء استيراد النفط سنة 2008. لذلك يرى سكر ان الوقت قد فات على تأخير الاصلاح السياسي، الى ما بعد تحقيق الاصلاح الاقتصادي وان على النظام ان يحقق الاصلاحين الاقتصادي والسياسي معاً خلال السنتين او الثلاث المقبلة.

الضغوط الاميركية

وشكا الاسد في المقال من الضغوط الاميركية على بلاده. وحين سؤاله عما تريده ادارة الرئيس جورج بوش منه، اجاب: “لا اعرف، هذه هي المشكلة". واوضح ان الاميركيين طلبوا منه اغلاق الحدود مع العراق، وانه بعد كل اجراء يقول الاميركيون ان ما تفعله سوريا غير كاف "ولكننا نسألهم ما هو معنى كفاية"؟ وكشف ان سوريا اعتلقت 1500 متطرف حاولوا عبور الحدود من العراق او اليه. وشكا من عدم وجود اي عناصر عراقية او اميركية على الجانب العراقي من الحدود، قائلا: "اذا نظرت الى الحدود لن تجد أحداً هناك، لاحراسا عراقيين ولا حراسا اميركيين. لا احد". وتفادى الاجابة مباشرة عن سؤال عما اذا كان يعتبر العنف في العراق مقاومة شرعية، وقال: بالطبع، بالنسبة الى التفجيرات الانتحارية، وقتل العشرات كل يوم، لا احد في هذه المنطقة يعتبر ذلك مقاومة شرعية ... وفي الوقت ذاته يتحدثون عن مهاجمة العراقيين لقوى التحالف ويعتبرونها مقاومة".

ورسم المقال الطويل الذي كتبه الصحافي المخضرم جيمس بينيت تحت عنوان «ما هو الطريق الى دمشق: لغز بشار الاسد» صورة مركبة ومعقدة للرئيس السوري وسط التحولات الداخلية والخارجية التي تحيط به، والضغوط والدوافع المتناقضة احيانا التي تتجاذبه او تحاول التأثير عليه والارهاصات التي يشهدها المجتمع السوري بعد الحقبة البعثية الطويلة.

وتطرق الى اسماء الاسد زوجة الرئيس السوري، ولاحظ انها تتصرف "كشريك" له وانها حضت الناس على رؤية الرجل وراء الرئاسة.

“الهوية السورية”

كذلك تناول النقاش الفكري والايديولوجي في اوساط المفكرين والمعارضين السوريين في ما يتعلق بقضايا محورية ليست اقلها مسألة "الهوية" السورية المتأرجحة الان بين القومية العربية التي طرحها حزب البعث او “العروبة” كما يسميها الان بشار الاسد، والهوية "السورية" المحصورة بحدود سوريا الدولة، اي القبول العملي بخريطة سايكس – بيكو.

وعرض للتغييرات التي طرأت اخيرا حتى على الخطاب البعثي في ما يتعلق بالقومية العربية، حيث التركيز الان هو على مشاعر الترابط بين العرب كما قال الاسد. واستشهد بجورج جبور النائب البعثي الذي قال ان الاسد في مؤتمر الحزب «لم يتحدث عن الوحدة العربية، بل تحدث عن العروبة بشكل عام والهوية العربية». ولفت الى ان مشكلة “الشرعية” التي عانتها الانظمة التي برزت في الدول التي رسم حدودها الاستعمار الاجنبي، تجد ابرز تعبير عنها في سوريا التي لم تكن تقليديا تؤمن بقوة بحدودها كدولة، الى درجة انها قبلت طوعا بالتنازل عن سيادتها خلال الوحدة القصيرة مع مصر.

ويوافق السينمائي السوري عمر اميرلاي المناهض لحزب البعث على وجود تغيير في الخطاب السياسي في مسألة الهوية التي تتخطى حدود الدولة السورية، ويقول: «بالتأكيد هذه نهاية لهذه الصفحة المؤسفة من التاريخ السوري، واعتقد انه في المرحلة الجديدة التي ندخلها الان هناك اعادة ترسيم الحدود، وستكون واضحة للمرة الاولى، وسيكون ذلك قتل رحيم للقومية العربية»

وتوقف المقال عند الانتقادات القاسية التي يوجهها منتقدو النظام البعثي الذين يقولون انه غير قادر على اصلاح نفسه، ومنهم عمار عبد الحميد الذي يقول ان النظام "ميت" ويصف البعثيين بـ“الغباوة”، وكذلك الباحث والكاتب المعروف محمد شحرور الذي اعطى تقويماً قاتماً لاحتمالات التغيير واشار الى قدرة الانظمة العربية على البقاء في السلطة «لان الحرية كقيمة غير موجودة في وعينا».

واستشهد بابحاث الاكاديمي الاميركي الخبير في الشؤون السورية جوشوا لانديس التي كشفت عريضة قديمة وقعها عام 1936 عدد قليل من الفاعليات العلوية وقدمت الى سلطات الانتداب الفرنسي تحضها على اقامة كيان علوي مستقل وعدم ضم المنطقة العلوية الى دولة سورية موسعاً. وجاء في الوثيقة «ان روح الحقد والتعصب المتأصلة في قلوب العرب المسلمين ضد كل شيء غير مسلم، تغذى باستمرار من خلال الدين الاسلامي (...) لذلك فإن الغاء الانتداب سيعرض الاقليات في سوريا لاخطار الموت والدمار»، اضافة الى ان انهاء الانتداب سيلغي ايضا حريات المعتقد والتفكير.

وقال لانديس ان سليمان الاسد، جد بشار الاسد، هو احدى الشخصيات العلوية الست التي وقعت العريضة.

وفي اشارة لافتة، يقول كاتب المقال بينيت انه عندما التقى الرئيس السوري وقبل ان يثير معه مسألة العريضة، تبرع الاسد بالقول ان جده حض الفرنسيين مع غيره من العلويين "على العودة الى الدولة الام، اي سوريا. وهم ادركوا انه اذا تم تقسيم البلاد، سوف تنشب الحروب". واضاف بينيت: «لقد انتابني شعور غريب بأن احداً يراقب رسائلي الالكترونية»، في اشارة الى الاتصالات الالكترونية بينه وبين لانديس.

مصادر
النهار (لبنان)