تسويات وضغوط تحوّل <<التشكيلة>> إلى <<حكومات ائتلافية>>
الحريري والسنيورة ونقولا يتابعون كلام عون في قريطم (علي لمع

انقضت عشرة أيام على تكليف فؤاد السنيورة بمهمة تأليف اول حكومة قيل انها ستكون لبنانية الصنع، الا أن الأيام العشرة التي انقضت، اظهرت ان لبنان الذي تحرر من ثقل التدخل السوري في قضاياه الداخلية في المرحلة السابقة، قد انتقل إلى مرحلة جديدة، بدا معها ان الوصاية الخارجية، الاميركية والفرنسية تحديدا، تسللت الى تفاصيل المسألة الحكومية، تركيبة سياسية وحقائب وأسماء، الى درجة ان لبنان اظهر حدا ادنى من التماسك الداخلي في ظل ضغط خارجي لم يصل بعد إلى مستوياته القصوى.
وفي ظل هذا المناخ السياسي الداخلي المفتوح والمكشوف على الخارج، لم تعد مهمة تأليف الحكومة الجديدة هي الاصعب، بل مدى قدرة هذه الحكومة، اذا تسنى لها ان تولد في الايام المقبلة، على الصمود، في مواجهة هذا الكم من التسويات والصفقات والمساومات وتدوير الزوايا، خاصة أن الضغط الدولي سينتقل بعد أولوية التسريع بتأليف الحكومة الى موضوع جدول أعمالها السياسي، مستفيدا من بعض المناخات الداخلية
التي تقول بوجوب الاستفادة من زخم الموقف الدولي المهتم استثنائيا بلبنان في هذه المرحلة.
في هذا السياق، برز تطوران على مستوى الموضوع الحكومي، تمثل الأول في تكريس الاتفاق السياسي النهائي بين النائب العماد ميشال عون ورئيس كتلة المستقبل النيابية النائب سعد الحريري، حول انضمام الاول الى الحكومة وأن يتمثل بوزيرين مارونيين من التيار الوطني الحر هما يوسف سعد الله الخوري في العدلية وسيمون أبي رميا في وزارة البيئة.
وجاء تكريس الاتفاق بعد زيارة هي الاولى من نوعها قام بها عون، امس، الى الحريري، في دارته في قريطم، وتخللتها مأدبة غداء على شرف الجنرال شارك فيها الرئيس المكلف السنيورة، بالاضافة الى كل من النائب نبيل نقولا والنائب السابق غطاس خوري.
وقد اتفق الجانبان ان يتعاون السنيورة وعون في انجاز الاتفاق مع كل من الكتلة الشعبية في زحلة وحزب الطاشناق حول اسمي ممثليهما الكاثوليكي والارمني (ألان طابوريان هو الأوفر حظا) في الحكومة والحقائب التي سيتوليانها.
ومن المفترض ان يؤدي انضمام التيار الحر وحلفائه الى الحكومة الى تقليص حصة كل من تيار المستقبل واللقاء الديموقراطي في الحكومة الجديدة.
وفي المقلب الشيعي، قالت مصادر قيادية في حزب الله وحركة أمل ان حلحلة حقيقية حصلت في الساعات الاخيرة، وأن الرئيس المكلف أقر بوجوب تسمية شيعي غير حزبي لحقيبة وزارة الخارجية سامي منصور او السفير جهاد مرتضى، طراد حمادة (العمل)، محمد فنيش طاقة ومحمد جواد خليفة صحة والوزير الشيعي الخامس بقاعي يسميه بري غدا. وعلى هذا الاساس قدمت اليه سلة اسماء، ترك اليه امر اختيار احدها، ولكنه لم يكن حتى ساعة متأخرة من ليل امس قد اعطى جوابه النهائي، فيما قالت مصادر متابعة للملف الحكومي ان احدى العواصم الاجنبية وضعت فيتو على اسم احد السفراء الشيعة في اوروبا وبالتالي لا صحة لما تردد عن ان امر الاستبعاد متصل بظروف خاصة.
وإذا حسم امر التمثيل الشيعي، فإن الرئيس المكلف سيلتقي اليوم رئيس الجمهورية اميل لحود، حيث سيعرض عليه آخر تشكيلة تم التوصل اليها، وربما تكون مفتوحة امام احتمال انضمام وزيرين يمثلان لحود اليها، هما على الارجح، الياس المر للدفاع وشارل رزق للإعلام.
وقد رفضت أوساط القصر الجمهوري التعليق على هذه المعلومات، وقالت إن لحود لم يطلع حتى الآن على أية تشكيلة وسيحدد موقفه وفق صلاحياته الدستورية من جهة واقتراح صيغة تكفل التوازنات التي عبرت عنها الانتخابات النيابية من جهة ثانية.
بدوره، رفض الرئيس المكلف تحديد موعد لولادة الحكومة، وإن كانت اوساطه قد رجحت ان يتقرر ذلك في ضوء الموعد مع لحود اليوم، فإذا اقرت التشكيلة التي سيحملها اليه، تعلن الحكومة يوم غد الثلاثاء، ويعود رئيس المجلس النيابي من الجزائر يوم الاربعاء ويحدد موعد الصورة التذكارية في بعبدا الخميس المقبل، اما اذا تحول موعد القصر الجمهوري الى كمين سياسي غير متوقع، فإن التشكيلة ستتأجل وربما تتخذ الامور منحى مختلفا.
وتردد ان الرئيس نبيه بري وقبل سفره الى الجزائر، اتفق مع الرئيس المكلف، على تجاوز الموضوع البروتوكولي، لمصلحة تسريع ولادة الحكومة، فإذا تم الاتفاق نهائيا على الاسماء والحقائب، فإنه لا يمانع في صدور مراسيم التأليف بغيابه، وإذا اعلنت الحكومة، يصار الى توزيع بيانها الوزاري، قبل يوم الاثنين المقبل، وعندها يصبح في الامكان دعوة الهيئة العامة للمجلس النيابي الى مناقشة البيان الوزاري ومنح الثقة للحكومة، وذلك فور انتهاء جلسة انتخاب اللجان النيابية يوم الاثنين المقبل، الا ان المشكلة التي يمكن ان تستجد في هذه الحالة هي صعوبة الدعوة الى جلسة قانون العفو عن سمير جعجع وآخرين، يوم الاثنين المقبل، لان رئيس الحكومة لا يكون قادرا على توقيع أي قانون، الا بعد نيل حكومته الثقة.
الجدير ذكره أنه في حالة عدم تأليف الحكومة قبل الاثنين يمكن لحكومة تصريف الأعمال توقيع القوانين وبالتالي الانتقال من جلسة اللجان الى جلسة العفو مباشرة.
وفي موازاة حفلة التشكيل، برزت مخاوف من تحول الحكومة الجديدة الى حكومات ائتلافية قابلة للانفجار في سياق مناقشة البيان الوزاري أو في ضوء المهام التي تنتظرها خاصة في ظل بروز مناخات سياسية متناقضة ازاء ملفات سياسية بالغة الدقة والحساسية، ولا سيما منها ما يتصل بموضوع المقاومة والقرار 1559 وموضوع التحقيق الدولي في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وفي هذا السياق، قال العماد عون في مقابلة مع نيو تي في ليل امس انه ليس من حق حزب الله التفرد بالمصير اللبناني <<وهذا الامر فيه تخط لباقي المجموعات اللبنانية>>، مبديا تخوفه من الانتقال من مزارع شبعا الى القرى السبع والقدس، وقال انه ليس من مسؤولية حزب الله حماية لبنان بل هذه مسؤولية الجيش اللبناني.
ورأى عون ان القرار 1559 هو نفسه مضمون الفقرة الثالثة من اتفاق الطائف لجهة نزع سلاح الميليشيات وحلها، وقال انه تبلغ قبل يومين بواسطة موفدين من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اثناء وجوده في بيروت، انه ابلغ الحكومة اللبنانية ان المخيمات الفلسطينية ستكون تحت امرة الحكومة اللبنانية «وهذا يعني ان فقرة من القرار 1559 ستنفذ من دون صعوبات مع الحكومات الجديدة» .ونفى ان يكون قد تلقى اية دعوة رسمية لزيارة واشنطن او باريس.
قضية الشاحنات
من جهة ثانية، وفي تطور هو الاول من نوعه، اغلقت السلطات السورية نقاط العبور الثلاث للشاحنات على الحدود المشتركة مع لبنان، من دون الاعلان عن ذلك رسميا وانعكس هذا التطور طوابير لآلاف الشاحنات اللبنانية المحملة بالبضائع والمتجهة الى دول عربية على الحدود حيث ينتظر سائقوها تصاريح المرور عبر الحدود الى الأراضي السورية.
وقد أثارت الخطوة السورية التي أعطيت طابعا أمنيا بحتا، مخاوف الهيئات الاقتصادية، حيث تعتبر سوريا المنفذ البري الوحيد لحركة التجارة اللبنانية. ولم يقتنع المتضررون بتبرير الحكومة السورية هذه الاجراءات بدواع أمنية، مشيرين الى عواقب وخيمة على اقتصاد البلدين في حال استمرار حالة التشنج السياسي بينهما.
وبرزت تبعات المشاكل الحدودية في النشاط الاقتصادي، حيث تراجعت حركة عبور الشاحنات والبضائع بالاتجاهين، بالإضافة الى انخفاض عدد السياح العرب وخصوصا الخليجيين القادمين الى لبنان برا، عدا عن إحجام المتسوقين اللبنانيين عن قصد الاسواق السوري.
ويقدر حجم الحركة التجارية وحركة التصدير وإعادة التصدير بين البلدين بمليار و744 مليون دولار سنويا. وقد شهدت حركة الترانزيت تراجعا منذ الانسحاب السوري الى حوالى 19 مليون دولار شهريا.
وبلغت الصادرات اللبنانية الى سوريا 145 مليون دولار، في حين يستورد لبنان بضائع سورية تقدر بحوالى 240 مليون دولار.
وفي ظل انقطاع الاتصالات السياسية المباشرة بين البلدين، اتصل رئيس الحكومة المكلف فؤاد السنيورة بالأمين العام للمجلس اللبناني السوري نصري خوري، حيث استفسر منه عما إذا كان أجرى اتصالات بالمسؤولين السوريين بخصوص المشاكل الحدودية، وطلب منه زيارته لبحث الموضوع.
كما طلب منه ابلاغ المسؤولين السوريين اقتراح زيادة عديد عناصر الجمارك السورية او الجيش السوري لتفتيش الشاحنات وتسهيل عمليات المرور. فشرح خوري بأن المسألة بحت أمنية والاجراءات المتخذة على الحدود عادية احترازية.
وتردد ان السنيورة ينوي زيارة دمشق بعد تشكيل الحكومة ونيلها الثقة.
وكانت أزمة عبور الشاحنات بالإضافة الى الأوضاع الاقتصادية، محور اتصالات ولقاءات أجراها رئيس اتحاد غرفة التجارة والصناعة في لبنان الوزير السابق عدنان القصار مع الرئيس السنيورة والنائبين سعد الحريري ووليد جنبلاط ويفترض ان تشمل اليوم النائب ميشال عون من أجل شرح خطورة الأوضاع الاقتصادية وضرورة الاسراع بتأليف الحكومة من أجل ايجاد مخارج للملف
الحدودي وغيره من الملفات الضاغطة.

مصادر
السفير (لبنان)