«نحن لانستحم بماءالنهرين مرتين» هيروقليطس
يبرز في حركة تاريخ المجتمعات اثر الفعل البشري وصيغ النمو الاجتماعي في تطور المجتمعات البشرية وسيرورتها الحضارية الانتقال من واقع التخلف الى مواقع اكثر تقدما وتعبر حركية المجتمعات عن ذاتها في اختيار سبل ووسائل تطوير آلياتها ومفاهيمها وصيغ تكوين بنياتها الاجتماعية متعددة المضامين , وخاصة في واقعنا العربي ,حيث تندرج اقطارنا العربية في منظومة الدول التي يقال عنها "النامية" التي تحاول صياغة وجودها ايديولوجياً وعملياً وعلمياً وتحديث مجتمعاتها التي مازالت في كثير من جوانبها اكثر من تقليدية بل متحلفة من خلال حالتها السياسية والاقتصادية والثقافية القائمة . مما يستوجب الحديث عن التحديث كمفهوم وآلية وغايات ونتائج بعمومية الموضوع وتوضعاته في الواقع العرب بخصوصية النهج والتحقق ,وبما يتكون في اطار واقعنا في القطر العربي السوري بذاتية التوجه والقرار فمنذ الحرب العالمية الثانية وتحرر معظم الاقطار والبلدان المستعمرة ونمو حركة التحرر العالمية ,ثم تداول مفهوم التحديث الذي يعني :«مجمل وسياق التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية التي تنجز تنمية متوازنة ومتكاملة في المجتمع بما يحقق لهذه البلدان الاستقلاال السياسي والاقتصادي الحقيقي».كصيغة تنموية عبر نمو علاقات دولية جديدة تحاول من خلالها هذه البلدان اللحاق بالمجتمعات الغربية المتطورة التي اثرت في هذه التوجهات والسياسات المعتمدة لغرض نماذج فكرية وسياسية واقتصادية ادت الى تبعية هذه البلدان دون أن تؤدي الى تحررها وتطورها الذي بقي مشروطاً في تحقيق الجانب الاقتصادي الوحيد“التصنيع” في علاقات استغلالية بشعة.فكان بمثابة التقليد اكثرمن تحديثاً وتطوراً تغيراً.

وحتى تحقق هذه البلدان نموها كان لابد لها الاخذ بشمولية هذه العملية لكل البنيات الاجتماعية ذات التداخل والتأثير والتكامل في ما بينها من جهة وفي الواقع الاجتماعي من جهة ثانية ,حتى يتم التناسق في ادائها وتطور آلياتها و تناغم حركية المجتمع فيها حيث تتفاعل المكونات الناتجة عن هذه المفاهيم في نسق التحقق لتمنح المجتمعات قدرة على تطوير ذاتها والانتقال الى آفاق جديدة وواقع حضاري جديد ,عبر تفكيك هذه البنيات على كافة الصعد وفرز مكواناتها البسيطة ودمجها في عملية كلية مركبة ومتكاملة تشمل كافة الجبهات, خاصة في المجتمعات التي تمتلك القدرات المادية والتقنية والمهارات الفنية والكوارد الازمة بما يخلق الحوافز الضرورية لتطورها الذي يحرر اقتصادياتها “وخاصة العربية” من الارتباط باٍقتصاديات البلدان الامبريالية ,واحدات التغير الاجتماعي الفاعل في دفع عملية التنمية الى مراحل جديدة تنعكس في وعي افراد المجتمع الذين يملكون بالواقع وعياً غامضاً عن حقيقة واقعهم وممارستهم العملية .لتبني قيماً ومواقف جديدة تحل مكان القيم المتوضعة ,متأثرة بمجموعة من المؤثرات المتكونة في هذه الحركية والمكونة للآخر المحترجة في سياق نسق التحديث والتغير الاجتماعي .ومن ذلك تختلف نمطية التحديث ومستوياتها بين العناصر والتراكيب المكونة لهذه البيانات ومجالاتها «فلاحية ,خدمية ,صناعية»وكبنايات مستقلة نسبياً ومتداخلة ومتفاعلة ,تتطلب حداثة بنيوية متكاملة ,وكوحدات يختلف مستوى تحقق هذا النسق في كل واحدة منها , وكوعي يتنافى ويستمر في توجهات ونزعات حداثية تشكل واقعاً اساسياً في تحقق نسق التحديث فيها .

ويرتبط التحديث بآليات متنوعة ومفاهيم متعددة تظهر تجلياتها في الانشطة المختلفة عبر مؤثرات منها : داخلية تتمثل في سلوك الافراد ودرجة وعيهم ونزوعهم العفوي والاداري الى تحقيق الحداثة في مجتمعاتهم ,وقدرتهم على كشف واكتشاف الحقائق القائمة في واقعهم واستعدادهم للتغير والتغير وقبول النتائج في ذاتهم : كيانات وسلوكيات وقدرة على الاستمرار ية والابداع وتمثل المستجدات وانتاج مستلزماتها من خلال ملكة فكرية منفتحة .ومؤسسات حكومية واهلية قائمة بنظمها واهدافها وايدلوجيتها وارتباطها وادارات سلطوية وفنية مختلفة الاستجابة لمضامين الحداثة ونسقها ,بتطوير خطابها الثقافي والتنظيمي بما يتوافق مع الرغبة في التحديث والتغير والتغيير الاجتماعي ,ودرجة مساهمتها في وضع برامج تنفيذية قابلة للتحقق وقدرتها على تغيير ذهنية وتفكير وحماية كوادرها لهذا الفعل,وتوسيع نطاق المشاركة الجماهيرية بآلية ديناميكية مبرمجة وهادفة وواعية ومسؤولة في اداء مجموعي متوازن في ظل ادارات وقوانين وتقاليد فكرية قادرة على استقطاب وامتلاك مفاعيل الحداثة الشاملة لكل البنيات وتأهيلها وتنفيذها عبر خطط تنموية موضوعية باٍحصاءات دقيقة للامكانات والوقائع والقدرات المتوفرة وحسن ادارتها وتناسقها وترتيبها حسب الاولويات وتكاملها وحرصها على ادارة موارها المتنوعة باٍختيار الافراد الذين يملكون الوعي ذوي الاستعدادات الكبيرة لاندماج في هذا النسق التطويري بكفاءة عالية وصبر وتحمل ونزاهة .

فالمجتمعات لاتعرف الثبات بالرغم من بطء حركيتها التي تحتاج الى زمن طويل لتظهر نتائج التغيرات المستمرة .وفي هذا المنحى يندرج التحديث كسياق فاعل ومنتج اجتماعي وسيرورة مستمرة لاحداث مجمل هذه التغيرات التي تشمل جوانب المجتمع كافة والتي تشمل جوانب المجتمع كافة والتي تختلف بين المجتمعات من جهة وفي ذات المجتمعات من جهة تانية ,حسب تاريخيتها المميزة لمجتمعات دون الاخرى وبذلك تنحصر عوامل التغير الاجتماعي الداخلية في واقع التنظيم الاجتماعي وعناصره التي تعمل لتغيره من الداخل ايديولوجية وسياسياً واقتصادياً.

وخارجية :تتأثر حركة المجتمعات “خاصة في زمن العولمة هذا” بكم هائل من التراكمات والضغوطات والنماذج المنتقاة بدقة حسب خصائص كل واقع اجتماعي حيث اصبح العالم اكثر تقارباًوضيقاً وغدى انتقال المستجدات الفكرية والتقنية والحياتية بتسارع لم يعرفه العالم من قبل ,من خلال وسائل النقل والتأثير المادي والاعلامي والنفسي ,حاملاً توجهات القوى الفاعلة عالمياً وتعدد وسائلها ومصالحها واختلاف تعاملها بما يتوافق مع هذه المصالح .حيث يتأثر النسق القائم بشكل أوبآخر بتلك المؤثرات محاولاً الاستجابة أو التكيف معها بما يحقق في جانب نتائج ايجابية إذا احسن توظيفها ,وتحمل في جانب آخر اكثر النتائج سلبية إذا لم يستطيع المجتمع التحكم بها وتوجيهها وفق مصالحه ومشاريعه و فيتحول التحديث عندها الى وسيلة تبعية بدل أن يكون وسيلة تحرر .حيث استبداد الثقافة والخبرات ورأس المال والتمركز القوي لوسائل الانتاج والضغط والالتزام .

وفي واقعنا العربي : الذي خضع قروناً عديدة لانماط استعمارية مختلفة النهج والسياسة والفكر والوسيلة تركت فيه بنية فكرية ومادية متخلفة وواقعنا اجتماعياً متردياً وتكوناً سياسياً ضعيفاً ومرتهناً مرتبطاً بالقوى الاستعمارية خاصة الغربية منها التي عملت \وفق مصالحها \على فرض قوانين وبنيات جديدة قاصرة للتأسيس لتبعية مازالت مستمرة في معظم الاقطار العربية ,ظهر فيها مفهوم التحديث مماثلاً التقليد لما في تلك المجتمعات مع استمرار تحكم بنى فكرية وسياسية واجتماعية متخلفة وعاجزة عن القيام بأي انجاز حقيقي للحاق بابنى الاقتصادية العالمية الجديدة ,الا محاولات ضيقة ومحدودة لم يسمح لها بالنمو ,مما عمق هذه التبعية التي جذرتها الانظمة السياسية القائمة بذهنيتها ونمطيتها وركائزها ومرجعيتها ,متحققة في ضعف التنسيق العربي وفشله ان حاول الظهور وعلى كافة المستويات ,وضعف المشاركة الشعبية ,وهدر في القدرات والعوائد المادية والبشرية وفاقد فيها يتنامى باضطراد ,وتدنٍ في مستوى العلاقات البنية العربية , ونمو الحواجز بينها وكما هي سياسات الدول مع وضعية الالحاق والالتحاق , واختلاف نمو المجتمعات العربية وهيكليتها , وسيادة الثقافة الاستهلاكية والترفية “خاصة في الاقطار الغنية” المفرزة من نظام العولمة دون تحقق الحداثة في العمق وبقاء معظمها في مرحلة ما قبل الحداثة مع امتداد مؤثرات العلاقات الريفية واحياناً البدائية في المجتمعات الحضرية مما جعل آلية التحديث فيها مشوهة , تتبدى حداثة في الظاهر وتتعمق تخلفاً وتبعية في الواقع بضعف سياسي واقتصادي يزداد حدة وقسوة وفجوة حضارية تتسع بتسارع موازٍ لتسارع تقدم الحضارة في المجتمعات المتقدمة , بالقياس بمجتمعات مماثلة استطاعت التحكم بوتائر التحديث وفهم آلية وتوجيهه لصالح مجتمعاتها وحققت نمواً وتطوراً دون ان تفقد خصائصها الذاتية والمجتمعية .وقد ساهم في الوضعية العربية القائمة مجموعة من الاشكاليات التي يفترض ازالتها ,الممثلة باختلاف مفهوم الحداثة والتحديث بين بنيات المجتمعات العربية ودرجات استعدادها وتقبلها لعملية التغير الشاملة لواقعها ,كما تلعب الاجهزة الادارية التي تمتلك القرار وتعتبر نفسها وحدها القادرة على اجتراح الصحيح بما لايسمح بمشاركة شعبية واسعة وفعالة مع عقلية سلطوية وادارية فوقية ومتسلطة تشكل عائقاً في وجه عملية التحديث اضافة الى النمو السكاني الكبير الذي وصل الى حد الانفجار السكاني في بعض الاقطار العربية وما يتطلبه ذلك من ضرورة توفير الحاجيات المتزايدة لهذاه الاعداد الكبيرة في ظل نمو اقتصادي ضعيف، كل ذلك ضغط خارجي كبيرة وتحديات سياسية تفرض تخصيص مبالغ كبيرة لشؤون الدفاع والامن على حساب خطط التنمية المتعثرة ناهيك عن القوانين المقيدة لحركة التطور والتحديث والمعيقة لانطلاقتها ودور الافراد المسؤولين عن التنفيذ في مدى صحة وسلامة التنفيذ ودقته ونزاهته مع نمو الشعور باللامسؤولية الفردية العامة واللامبالاة نتيجة فقاعات كرستها السلوكيات بأن جديداً لن يتحقق .

ومنذ سنوات بدأ التوجه في قطرنا العربي السوري الى استثمار مضامين التحديث والتطوير في واقعنا المعاش مازالت خطوات تحققه وئيدة “وقد اصبح ضرورة ملحة” في سياق التحولات العالمية وضرورة خلق التراكمات الكمية والكيفية بما يتوافق مع سيرورة التنمية التي يتطلبها التقدم والنمو والتطوير ,. بتحديث البنيات القائمة كلياً وانتهاج مسارات جديدة تصب نتائجها في تحقيق التغير الاجتماعي المطلوب .ممايستوجب استنفار كل القوى والآليات ودمجها في عملية التحول عبر تنظيم وتنسيق وتوجيه ودمج الفعاليات كافة , تعمل كورشة عمل وطنية متكاملة على كامل مساحة القطر وفي عمق تكوينه بادراك واقعي لمجمل القدرات المتوفرة بشرياً ومادياً وتحفيز الفكر المؤسساتي على كل الجبهات بادراك واقعي لتفصيلات الواقع وعناصره القائمة وسبر غورها واكتشاف مواطن الخلل فيها وتحفيز الايجابيات الحاصلة والاستفادة من القدرات الفردية والمجتمعية وادارة الوقت بدقة وحرص شديد ين بخطاب نهضوي فعال ودقيق ومتابع تأكد حضوره بمجمل التوجهات والقرارات يستوجب الاستجابة والتنفيذ باستثمار امثل للكفاءات وشق السبل الكفيلة بتحقيق الاهداف والغايات من منظور زمني ومستقبلي واضح وتحديث الادارات والقوانين بما يفسح المجال لكل الناس للانضواء في ورشة الاعمار هذه لانها منها ولها ولاجلها فالتحديات كبيرة ....ان نعمل فريقاً واحداً بجدية نمتلك السلامة قبل ان يدركنا الوقت .