لم تأت زيارة الرئيس الفلسطيني الثانية الى دمشق في غضون بضعة اشهر منقطعة عن توالي زيارات العديد من المسئولين الفلسطينيين الى العاصمة السورية بين زيارتي ابي مازن وهذا لا ينم فقط عن اعادة الحرارة الى العلاقات السورية الفلسطينية وانما ايضا عن عودة هذه العلاقات التاريخية الى سابق عهدها.

للحق نقول انه ومنذ توليه السلطة حاول ابو مازن تقوية علاقاته العربية ادراكا لاهمية التلاحم والاستقواء بهذه العلاقة في عملية المجابهة مع اسرائيل وحاول ايضا اذابة الفتور في العلاقة مع بعض الدول العربية التي تأثرت سلبا في مرحلة سابقة كما كان حالها مع سوريا.

العلاقات الدافئة بين سوريا وفلسطين هي ضرورة ملحة لكليهما وهي مصدر قوة لكليهما ايضا وبخاصة بعد وصول التسوية الى طريق مسدود فها هي اسرائيل ترفض اعادة هضبة الجولان الى اصحابها الشرعيين بل هي مستمرة في العمل على تهويدها بعد ضمها وها هي اسرائيل ترفض اعطاء الفلسطينيين حقوقهم الوطنية المشروعة في العودة وتقرير المصير واقامة دولتهم المستقلة بل هي ماضية في تهويد القدس واقامة المستعمرات وبناء الجدار العنصري من جهة ثانية فان فقدان سوريا لعمقها الاستراتيجي في العراق بعد الاحتلال الاميركي لاراضيه وانسحاب قواتها بفعل الضغوط الخارجية من الاراضي اللبنانية واستمرار التهديدات الاميركية والغربية لها تحتم عليها تعزيز العلاقات مع الفلسطينيين لان العلاقة معهم بالاستناد الى العلاقة الدافئة مع كافة الدول العربية هي مصدر استقواء ايضا لسوريا في مجابهتها للكثير من الضغوطات التي تمارس عليها.

ما تعنيه سوريا ايضا للسلطة الفلسطينية هو تواجد العديد من التنظيمات الفلسطينية على اراضيها والوضع الفلسطيني عموما بحاجة الى ترتيب داخلي وبخاصة اننا بعد حوالي الشهر سنكون على موعد مع الانسحاب الاسرائيلي من غزة وهذه المسألة بحاجة الى ترتيب مسبق بين عموم الاطراف الفلسطينية من اجل ان تكون فترة ما بعد الانسحاب من حيث التلاحم والوحدة الوطنية محطة لمتابعة النضال نحو نيل الحقوق الوطنية الفلسطينية.

يساهم ايضا في اذابة الجليد في العلاقات الفلسطينية السورية عاملان الاول هو ان الرئيس الفلسطيني رجل مؤسسات وليس صاحب قرار فردي ومنفرد وهذا ايضا يلقى تقديرا من قبل سوريا التي طالما اشتكت من عدم الثبات الواضح في الموقف الفلسطيني فقرار المؤسسات هو قرار الزامي لكافة المسئولين الفلسطينيين بما في ذلك الرئيس نفسه.

العامل المساعد الثاني هو سياسة الانفتاح التي انتهجها الرئيس بشار الاسد والتي تعززت بعد المؤتمر القطري الاخير لحزب البعث وتصريحات الرئيس المتكررة في ضرورة البدء وفتح الصفحة من جديد.

تاريخيا اعتبرت سوريا القضية الفلسطينية قضية داخلية وهي طالما قدمت لهذه القضية ودائما كان التشنج في العلاقة مع الفلسطينيين فترة مؤقتة لا يستمر طويلا.

في هذه المرحلة نحن احوج ما نكون الى المزيد من التلاحم الفلسطيني مع العامل القومي العربي وبخاصة ان اسرائيل ترفض السير في خارطة الطريق ولها اربعة عشر اعتراضا عليها ما لم يقم الرئيس الفلسطيني بنزع اسلحة التنظيمات الفلسطينية كما سبق لها ان رفضت المبادرة السلمية العربية التي اعلنتها قمة بيروت مما يعني عودة الصراع الفلسطيني العربي الاسرائيلي الى مربعاته الاولى.

ما يجري من عودة في العلاقات التاريخية الى سابق العهد على صعيد العلاقات الفلسطينية السورية ينطبق ايضا على العلاقات الفلسطينية اللبنانية ما نأمله هو المزيد من التفاعل والارتباط العضوي بين الخاص الوطني الفلسطيني والعام القومي العربي.

مصادر
الوطن (عمان)