إسرائيل تعزل 55 ألف مقدسي

أقرت الحكومة الإسرائيلية أمس وجوب إتمام بناء جدار الفصل في محيط القدس المحتلة قبل أيلول المقبل وفي مسار يعزل، على الأقل، 55 ألفا من سكانها العرب عن مدينتهم. وجاء قرار الحكومة الإسرائيلية في إطار ما يسمى ب<<غلاف القدس>> الذي من المقرر أن يحوي 12 معبرا.
واثار القرار الإسرائيلي غضبا فلسطينيا. وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) لدى عودته الى رام الله بعد جولة عربية ان «هذا العمل مرفوض بداية ونهاية. ولا اعتقد ان إسرائيل بهذه الاجراءات ممكن ان تخدم أمنها وإنما هي تضع عراقيل أمام السلام».
كذلك اعتبر كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات القرار «تطورا خطيرا جدا، ان دل على شيء فهو يدل على خطوات استباقية لتقرير مصير القدس وهذا يدمر عملية السلام» وأضاف «طلبنا من إدارة الرئيس جورج بوش مرارا التدخل لدى إسرائيل للكف عن الاملاءات والاجراءات الأحادية الجانب». وكان نائب رئيس الحكومة
الإسرائيلية إيهود أولمرت قد أعد الخطة التي نوقشت أمس وأقرت تحت عنوان القدس من دون بعض الأحياء العربية.
ويعتبر قرار الحكومة الإسرائيلية هذا على درجة عالية من الأهمية، نظرا لكونه يتعلق بمدينة القدس التي تشكل واحدة من أشد بؤر الخلاف الفلسطيني الإسرائيلي سخونة. ولا تقتصر أهمية القرار على جانبه الفلسطيني، وإنما هو موضع خلاف داخلي إسرائيلي لأنه يضع خارج الجدار عددا من أحياء المدينة المقدسة.
ففي نظر البعض يسعى القرار إلى إبقاء الباب مفتوحا <<لانكماش القدس في المستقبل>>. واعتبارات القرار ديموغرافية: ضم أقل عدد من الأحياء العربية من أجل الحفاظ
على القدس كعاصمة لإسرائيل. إذ يبلغ سكان القدس الشرقية ربع مليون نسمة سيعيش 130 ألف منهم داخل الجدار و55 ألفا في مناطق القدس خارج الجدار و70 ألفا سيعيشون في الضفة الغربية خارج حدود المدينة.
كما أن القرار يتصل كذلك بتدخلات أميركية حاولت تقليص الاحتكاكات الإسرائيلية الفلسطينية في هذه المنطقة. وما يسمى ب<<غلاف القدس>> ليس غلافا بالضبط، بحسب تعبير كبير معلقي <<يديعوت أحرونوت>> ناحوم بارنيع. «فهو بالنسبة لبعض السكان يعتبر سورا وقائيا. ولكنه بالنسبة لبعضهم الآخر سكين يقطع شرايين الحياة وطوق خانق. غلاف القدس هو المقطع المركزي في إطار جدار الفصل» .وبموجب مسار جدار الفصل في <<غلاف القدس>>، فإن 55 ألفا من سكان المدينة العرب سيكونون خارج الجدار. وسيغدو هؤلاء معزولين عن مركز حياتهم ومدينتهم وغير مسموح لهم الوصول إليها إلا عبر 12 منفذا. وأعلنت الحكومة الإسرائيلية أن هذه المنافذ ستبقى مفتوحة بشكل دائم، إلا في حالات الطوارئ. غير أن مشروع أولمرت أشار أصلا إلى معبر ثابت واحد فقط وهو معبر بيت لحم، واعتبر أن المعابر الأخرى موقتة ويمكن إغلاقها.
وأشارت صحيفة <<هآرتس>> إلى أن قرار الحكومة الإسرائيلية هذا يعني، بين أمور أخرى، حرمان ما لا يقل عن 3655 تلميذا من الوصول إلى مدارسهم التي ستغدو في الجانب الآخر من الجدار. وقال أولمرت إن حكومته تتعهد بتوفير وسائل النقل لإيصال التلاميذ هؤلاء إلى مدارسهم.
وبحسب القرار فإن الحكومة الإسرائيلية تتعهد بإقامة مدارس ومراكز بريد ومكاتب للتأمين الوطني في الجانب الآخر من الجدار لمنح سكان القدس إحساسا بأن شيئا لم يتغير. ومن المقرر أن تقيم بلدية القدس <<إدارة جماهيرية لغلاف القدس>> للعناية بشؤون سكان القدس خارج الجدار. غير أن ذلك سيجعل وضعية هؤلاء السكان شبيهة بوضعية سكان القدس المقيمين خارج المعابر، والذين لا يتمتعون عمليا بأي حقوق خاصة سوى المرور في المعابر.
وقال وزير الصحة الإسرائيلي داني نافيه إن الميل السائد هو لتطوير إجراءات مرور مريحة للمقدسيين الخمسة الخمسين ألفا، من أجل أن يتمكنوا من الحصول على الخدمات الصحية في جانبي الجدار. وأشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن قرار الحكومة الإسرائيلية يقضي بإبقاء ضاحيتي شعفاط وكفر عقب في شمالي القدس خارج الجدار.
وشارك في المداولات حول مسار الجدار في القدس، إضافة إلى الوزراء، كل من المستشار القضائي للحكومة مني مازوز ورئيس بلدية القدس أوري لوبليانسكي بجانب ممثلين عن وزارة الدفاع والجيش والأجهزة الأمنية.
واعتبر عضو الكنيست الدكتور عزمي بشارة أن القرار الإسرائيلي «يتعامل مع مجتمع وأحياء يقطنها بشر بمنطق المسطرة والقلم الاستعماري، ولم يبق في العالم دولة تتعامل مع البشر وكأنهم ألوان على خريطة». وأضاف «أن الحكومة الإسرائيلية تستغل انشغال العالم بموضوع فك الارتباط ووقوع جزء كبير من النظام الرسمي العربي ضحية واعتباره جزءا من عملية سلام وتسوية، كي تنفذ بسرعة فائقة وكثافة مآربها بالضفة الغربية والقدس وذلك بتكثيف الاستيطان والإسراع في بناء الجدار وفرض خريطتها من طرف واحد في الضفة الغربية».
ووصف عضو الكنيست الدكتور أحمد الطيبي، من جهته، قرار الحكومة الإسرائيلية بأنه «تكريس بشع لنظام الأبارتهايد تحت سمع العالم وإهماله لحقوق شعب عانى الأمرين من سياسة المعيار الأخلاقي والسياسي والقانوني المزدوج».
ومن المقرر أن يجتمع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية غدا لمناقشة قضية المكانة القانونية للمناطق التي ستخلى في الضفة الغربية. إذ يعارض رئيس الحكومة ارييل شارون بحسب <<هآرتس>> تسليمها لمسؤولية فلسطينية. كما سيعرض على الوزراء خط الحدود الدقيق لقطاع غزة، كما حددت في اتفاقات اوسلو، وسيعلن المجلس الوزاري المصغر أن هذا هو خط الانسحاب وأنه يرفض المطالب الفلسطينية بالحصول على مناطق أخرى شمالي القطاع.
وهنالك سؤال آخر سيحسم وهو المكانة الصورية للإدارة العسكرية الإسرائيلية في غزة، وهل ستفكك بعد الانسحاب. من هنا سيتخذ القرار حول ما إذا كان منسق العمليات في المناطق سيواصل كونه مسؤولا عن الاتصال بالفلسطينيين في غزة.

مصادر
السفير (لبنان)