قصيراً كان عمر تفاؤل المتفائلين بسرعة إنجاز تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة. أما السبب فهو الحجم المبالغ به لتفويض الرئيس المكلف فؤاد السنيورة.

فلا اتفاق على المبدأ ولا على الأهداف الاستراتيجية بين النواب الـ 126 (من أصل 128) الذين رشحوا السنيورة، بل كل ما في الأمر أن انطلاق الرئيس المكلف من أغلبية مقاعد برلمانية (72 مقعداً لـ«تيار المستقبل» وحلفائه) حسم أمر التكليف ...وفتح باب الاستغلال والابتزاز عندما جاء دور التأليف.

ثم أن الانتخابات النيابية الأخيرة أسفرت عن اصطفاف طائفي قاطع بين «الحلف الثلاثي» المسيحي الجديد المكون من البطريركية المارونية ورئاسة الجمهورية والجنرال ميشال عون ....و«تحالف رباعي مسلم» يضم «تيار المستقبل» (المحتكر الفعلي لتمثيل السنة) وحلف «حزب الله»/حركة «أمل» (المحتكر الفعلي لتمثيل الشيعة) و«اللقاء الديموقراطي» (الذي رغم تنوعه الطائفي، يحتكر فعلياً تمثيل الدروز). وجاء حصول لوائح عون على ما بين 60 و65% من أصوات الناخبين المسيحيين، ومن ثم مبايعة البطريركية إياه «زعيماً» للمسيحيين ليلغي من الناحية العملية أي بحث جدي في حكومة عتيدة لديها مشروع سياسي حقيقي.

فاليوم «حكومة الاتحاد الوطني» التي تطالب بها الادارة الأميركية والحكومة الفرنسية ستكون نسخة مصغرة عن مجلس نواب منقسم على نفسه. وبالتالي لن تستطيع السير إلا بطريقتين:

* الطريقة الأولى، تقديم أطرافها تنازلات متبادلة في شتى المسائل مما يجعل من ادعاء أي طرف بأنه «صاحب برنامج» ادعاء باطلاً مثيرا للسخرية، كما أنه يحول دون إجراء أي محاسبة جدية لأي طرف طالما أن الجميع يتشارك في المسؤولية الجماعية.

* الطريقة الثانية، أن تحال كل مسؤوليات الحكم إلى ممثلي الإدارتين الأميركية والفرنسية، اللتين يتضح الآن أكثر فأكثر لأي لبناني أنهما أصبحتا «سلطة وصاية» رسمية تتدخل في الكبير والصغير.

هذا الكلام لا يتعمد الاستفزاز إطلاقاً، بل يصف الأمور كما هي على الأرض.

فلا حاجة بعد الآن إلى «أغلبية» و«أقلية» برلمانيتين تشكلان صلب مفهوم الديموقراطية المبشّر بها بكرة وأصيلا، إذا كان نصيب من حاز ثلث الأصوات من النفوذ سيكون ـ تحت حجة «الوفاق والتوافق» ـ أكبر من نفوذ الحائز على الثلثين.

ولا معنى للكلام المكرّر والممجوج عن أن القرار 1559 «مسألة داخلية» لبنانية إذا كان «سياسة رسمية خارجية أميركية» كما أوضحت إليزابيث ديبل نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركية.

ولا قيمة للمطالبة بتحول «حزب الله» من المقاومة المسلحة إلى العمل السياسي المدني إذا كان ممنوعاً عليه التفاوض على الحقائب الوزارية واختيار محازبين لشغلها.

ولا لزوم أساساً للانتخابات ـ بصرف النظر عن دقة تمثيلها ـ إذا كانت السلطة الفعلية ستكون خارج أيدي الحكومة والبرلمان المفترض انهما يستندان إلى نتيجتها. خلال الأسبوع الماضي أعلنت شبكة «إنتر نيوز» وشركة «ستاتيتيكس ليبانون» نتيجة مراقبتهما التغطية الإعلامية المرئية والمكتوبة للحملة الانتخابية الأخيرة. وأكدت الحصيلة بالأرقام ما سبق أن لاحظه معظم اللبنانيين، وهو أن الجنرال عون، النائب الجديد، كان النجم المفضل لوسائل الإعلام والأكثر حضوراً على صفحاتها وشاشاتها بالرغم من التهم العديدة التي كالها معسكره على «المال السياسي» و«شراء النفوذ»، إذ كان وأنصاره ضيوفاً يوميين على كل محطات التلفزيون ولقاءاتها الحوارية المفتقرة إلى أي نقاش جدي.

لماذا يا ترى؟

الأرجح، لأن الإعلاميين اللبنانيين كانوا يعرفون النتيجة ... قبل إجراء الانتخابات..!

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)