أعرب مستشار وزارة الدفاع الاميركية السابق ريتشارد بيرل عن الأسى لما لمسه من تفرق في أوساط المعارضة السورية، متحدثا في الوقت ذاته عن النظام السوري بلهجة مرنة غير معهودة من أقوى الشخصيات في واشنطن دعوة للتغيير.
وفي حديث خاص بـ«الشرق الأوسط» لم يتخل بيرل عن دعوته للتغيير في سورية، ولكنه لمّح هذه المرة إلى إمكانية قبول تغيير جذري يدخله النظام على نفسه، رغم أنه أبدى تشاؤما في إمكانية حدوث ذلك، مستخدما عبارة «إن الأسد لا يغير جلده».

وقال بيرل «إذا ما غير النظام السوري سلوكه بشكل جذري وكامل بما يكفل التحول من الديكتاتورية إلى الديمقراطية وإنهاء العداء ضد الولايات المتحدة، فإنه يكون بذلك قد أقام نظاما جديدا وبالتالي ستكون هناك قصة أخرى»، مستدركا ـ بطريقة ضاحكة ـ «ولكن الأسد لا يغير جلده».

ونفى المستشار السابق لوزارة الدفاع الأميركية أن يكون قد أعلن دعمه للمجلس الوطني السوري المعارض الذي تم تشكيله أخيرا في واشنطن من مجموعة معارضين لنظام الرئيس بشار الأسد.

وقال بيرل إنه التقى بعدد من المعارضين السوريين قبل إعلان المجلس الوطني المعارض، ولكن لقاءه بهم لا يجب أن ينظر إليه بأي حال من الأحوال على أنه دعم أميركي لتلك المجموعة. وأوضح قائلا «لقد اعتقدت أنها ستكون فرصة للالتقاء بمعارضة موحدة للنظام السوري، ولكني علمت بعد ذلك أن جزءا من المجموعة التي التقيتها ماض في اتجاه مختلف تماما».

ونفى أن يكون على معرفة بأن بعض الذين التقى بهم يمثلون اتجاهات إسلامية أو قومية وقال «بالطبع لم أكن أعلم بذلك» فلم يقولوا أي شيء يشير إلى مواقفهم السياسية». وقال إنه التقى بهم بصفته الشخصية «على أساس أن الاجتماع مفتوح، ومن الخطأ الاستنتاج بأن الاجتماع مع تلك المجموعة يعني دعما لهم، كما أن اللقاء بهم تم على أساس أنهم أميركيون من أصل سوري، ولا يوجد ما يمنع التعرف عليهم».

وتابع حديثه «قلت لهم في الاجتماع إن من المهم أن نرى المعارضة موحدة وراء المبادئ التي تؤهلها للحصول على دعم في الولايات المتحدة وغيرها من الدول، تلك المبادئ هي الديمقراطية والحكومة المفتوحة، أما إذا كانت لتلك المجموعة أجندة مختلفة فلا اعتقد ان أعضاءها سيحصلون على دعم الولايات المتحدة».

وشدد بيرل على أن التغيير في سورية يبدأ بتوحيد أولئك المعارضين للنظام السوري خلف برنامج واضح على أن تكون لهم وثيقة تنص على هدفهم بوضوح بما يتيح المجال لأي شخص أن يقرر هل سيدعمهم ويدعم أهدافهم أم لا. وقال «فيما يتعلق بي شخصيا لم أر حتى الآن أي شيء من تلك المجموعة يحدد أهدافها». وتابع قائلا: «إذا كانت تلك المجموعة تشمل إسلاميين يريدون خطف سوريا من ديكتاتورية علمانية إلى ديكتاتورية دينية فإنهم بكل تأكيد لن يحصلوا على أي دعم مني، كما سيحجم آخرون عن تأييدهم».

وكان رؤساء أربعة أحزاب سورية وخامس مستقل، يعيشون في الولايات المتحدة، قد أعلنوا الأسبوع الماضي تشكيل المجلس الوطني السوري، كتجمع يضم تحت رايته قوى المعارضة التي تكرس جهودها لتغيير النظام وإقامة نظام حكم ديمقراطي في دمشق. وقال عضو اللجنة التنفيذية للمجلس والناطق باسمه، محمد الجبيلي، في مؤتمر صحافي في 6 يوليو (تموز الجاري): «إننا لا نتطلع إلى مجرد الإصلاح في سوريا. إننا نريد تغييراً تاماً لنظام الحكم في سوريا»، ووصف النظام السوري برئاسة الرئيس بشار الأسد بأنه «أحد أكثر الأنظمة استبداداً في العالم». وجاء في بيان تأسيس المجلس إنه سينسق مع القوى المعارضة الموجودة داخل وخارج سورية، للتشجيع على التغير الديمقراطي. وتضم اللجنة التنفيذية للمجلس في عضويتها، إلى جانب الجبيلي، كلاً من نجيب الغضبان وحسام الديري ومحمد الخوام وعبد المهيمن السباعي.

وقال الغضبان:«إن حكومة ديمقراطية في سوريا ستقوم على الأرجح بالمحافظة على مصالح سورية القومية بشكل أفضل من أي نظام آخر».

وقد أسس المعارضون المجلس الوطني السوري في أعقاب مؤتمر مغلق كانت «الشرق الأوسط» أول من كشف عنه بعد عقده في واشنطن في 18 و19 يونيو (حزيران) 2005. ولم يتم نشر اللائحة المتضمنة جميع أسماء الأعضاء المؤسسين لأن الكثيرين منهم يخشون على سلامتهم. وجاء في البيان أن هدف المجلس النهائي هو تشييد دولة جديدة تتسم بنظام ديمقراطي متعدد الأحزاب وانتخابات حرة نزيهة وحكم القانون وضمان حقوق الإنسان وفصل السلطات. وأضاف البيان أن المجلس سيقوم في المستقبل القريب بالحث على «إلغاء قوانين الطوارئ، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وإجراء انتخابات».

كما نص البيان، في سياق تأكيده على أن المجلس تجمع يضم تحت رايته جماعات مختلفة وليس حزباً سياسياً، على أن المجلس سيسعى إلى توحيد صفوف قوى المعارضة، و«استخدام وسائل الإعلام للتعجيل في التغير الديمقراطي» و«إطلاق حملة علاقات عامة تستهدف المنظمات الدولية والقوى الديمقراطية في جميع أنحاء العالم».

وقال عضو اللجنة التنفيذية، حسام الديري، رداً على سؤال حول ما إذا كان المجلس سيعمل مع الحكومة الأميركية: «إن هدفنا هو العمل مع كل منظمة وحكومة تسعى إلى الديمقراطية».

وقال الغضبان:«إننا نعتقد أن هناك الكثير من السبل لتحقيق التغير الديمقراطي في سورية بدون اللجوء إلى عملية عسكرية».

وقال أعضاء المجلس أيضاً إنه لا توجد أية صلات رسمية بين المجلس والإخوان المسلمين، رغم أن الغضبان قال: «إننا نبسط يد الاستعداد للعمل مع كل الجماعات التي تنادي بالديمقراطية». وذكر أعضاء اللجنة التنفيذية أن عددا منهم اجتمع بالفعل مرتين مع مسؤولين أميركيين، كانت الأولى في شهر مارس (آذار)، في حين تم الاجتماع الثاني في نفس فترة انعقاد مؤتمرهم تقريباً في يونيو (حزيران). ووصف الغضبان الاجتماعين بأنهما كانا مفيدين و«إيجابيين جداً»، كما حضر ريتشارد بيرل جانبا من اجتماعات المعارضين في أحد فنادق العاصمة واشنطن.

وعن المؤتمر المقبل الذي تخطط المعارضة السورية لعقده في أوروبا نهاية الصيف الجاري بمشاركة قوية من جماعة الإخوان المسلمين قال بيرل لـ«الشرق الأوسط»: «أنا شخصيا بكل تأكيد لا أدعم الإخوان المسلمين، ولكن في وجود نظام ديمقراطي مفتوح فإن من حق الجميع أن يشاركوا في العملية الديمقراطية، ولكن إذا كانت هناك أية مجموعة لا تلتزم بالأهداف الديمقراطية فلن تحوز أبدا تأييدنا». وأضاف «من حق الشعب السوري أن يحصل على حقوقه المشروعة ولكن القرار بأيديهم إذا أراد أفراد الشعب السوري أن يحصلوا على دعم ممن يشاركونهم الرأي في أهمية إنهاء الديكتاتورية في بلادهم، فإن على قواهم الحية أن تكون لديها أجندة ديمقراطية وليس الأجندة التي يسعى لتحقيقها الإخوان المسلمون». وعن رسالته للشعوب العربية أو شعوب منطقة الشرق الأوسط، بشكل عام، قال ريتشارد بيرل «إن البعض في العالم يظن أن الشعوب العربية لا تصلح لها الديمقراطية وهذه وجهة نظر خاطئة، وأنا أعتقد بقوة أن من حق شعوب المنطقة أن تختار من يحكمها، وقد أثبت العراقيون صحة وجهة النظر هذه وأختاروا حكومتهم بأنفسهم رغم أعمال العنف المستمرة».

وردا على سؤال عن رأيه في الانتخابات الإيرانية التي اختار الإيرانيون فيها حكومة متشددة قال بيرل «أعتقد أنه شابها التزوير ولا تعكس رغبة الشعب الإيراني في الاختيار الحر، وقد تم منع الكثير من ترشيح أنفسهم، وأعتقد أن التوتر سيزداد مع الولايات المتحدة في ظل الحكومة الجديدة».

وفي ختام اللقاء أشار بيرل إلى أن آراءه تعبر عن وجهة نظره الشخصية ولا تعكس وجهة نظر الحكومة الأميركية لأنه لا يشغل أي منصب رسمي حاليا.

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)