الانتقام الاقتصادي الذي يمارسه النظام السوري في حق اللبنانيين ردا على انتفاضة الاستقلال، هو رد مكلف اقتصاديا بالنسبة الى اللبنانيين لكنه لا يغني سوريا ولا يفيدها على الاطلاق. ففي السياسة يصعب تثمير قرارات واعمال حكومية لا تقوم سوى على منطق الغضب ورد الفعل. وعليه لا نظن ان سوريا ستجني من محاولة فرض حصار على لبنان اكثر من تعميق مشاعر الغضب اللبنانية على سياسات تميزت خلال الوجود العسكري بمحاولة تذويب النظام الديموقراطي اللبناني وممارسة وصاية وهيمنة اثقلتا كاهل المؤسسات والمواطنين على السواء، وهي اليوم تعبّر عبر الحصار عن رفض يكاد يكون معلنا لاستقلال لبنان وارادة شعبه الانعتاق من الوصاية.

اذاً المسألة ليست امنية كما يدعي مسؤولون سوريون، انما هي سياسية بامتياز وتتعلق بنظرة النظام السوري الى لبنان نفسه. فهل ان هذا النظام يعترف باستقلال بلدنا ام لا؟ وهل انه مستعد للتأقلم من اجل العيش جنبا الى جنب مع لبنان حر سيد ومستقل؟ هذا هو السؤال الذي يحتاج الى اجابة صريحة وحقيقية.

في المبدأ ان الاسباب الامنية التي يسوقها السوريون غير مقنعة. فالرسائل السياسية التي تعبر الحدود بسلاسة عبر مخبرين سابقين “مع نشوء نظام رشى لتسهيل العبور” تقول ان السبب هو الحملة السياسية على سوريا والانتقادات التي يوجهها عدد من السياسيين اللبنانيين الى النظام السوري. والامر الغريب والعجيب في طرح هذه الاسباب ان من يبعث الى اللبنانيين بها يتناسى عمدا ان لبنان لم يكن يمارس نظام وصاية وهيمنة على سوريا تسبب بثورة شعبية عارمة، انما النقيض هو الصحيح، اذ ان انتقادات اللبنانيين وحملاتهم كانت ولا تزال تتوجه شطر سياسات سورية ومنهج تدخلي في الشؤون اللبنانية الداخلية. فهل ننسى التدخلات السورية خلال الانتخابات في كل من البقاع والشمال من اجل منع قيام اكثرية استقلالية الهوى في مجلس النواب؟ وهل ننسى استمرار التدخل في التعامل مع سياسيين وامنيين لبنانيين سابقين وحاليين بغية اعاقة التحول والتغيير في الحياة السياسية اللبنانية؟ وهل ننسى الكثير مما هو متعلق باغتيال الرئيس رفيق الحريري (في انتظار نتائج التحقيق)؟ وهل ننسى سمير قصير وجورج حاوي؟ وهل ننسى محاولة اغتيال مروان حماده؟ وهل ننسى الكثير مما يضيق اثباته هنا حول ممارسات حولت لبنان ديكتاتورية يعشش فيها الفساد والظلم؟

انهم يتصرفون مع لبنان واللبنانيين كما لو ان لبنان كان دولة غازية وسوريا دولة محتلة ثارث لنيل استقلالها. انه المنطق بالمقلوب.

في مطلق الاحوال نقول لمن ينقلون الى اللبنانيين رسائل عتاب تربط بين الحصار وانتقاد سوريا في لبنان: ان من ينتقد النظام السوري انما ينتقده في لبنان. ينتقد اعماله في بلدنا، ويعارض سياساته في بلدنا.

ونقول اخيرا للمزارعين المتضررين الذين سمعنا بعضهم يلقي اللوم على سياسيين لبنانيين في هذه الازمة، ان السبب والمتسبب ليسا في بيروت انما على الجانب الاخر من الحدود. انه اجراء عقابي على الثورة من اجل الحرية والكرامة الوطنية. فاذا كان لا بد من التظاهر فلتتوجهوا الى نقطة الحدود وليس الى قلب بيروت. انكم تخطئون الوجهة. وليعرف العالم اجمع انه في القرن الحادي والعشرين، قرن العولمة، ومنظمة التجارة الحرة، والشراكة الاوروبية “سوريا تجاهد لتوقيعها ولبنان عضو فيها” واتفاق التجارة الحرة العربية، ثمة نظام في العالم العربي لا يزال يفكر بعقلية كولونيالية من منتصف القرن الماضي محاولا الانتقام من شعب كل ما يريده هو الحرية والكرامة داخل حدوده.

مصادر
النهار (لبنان)