المعلومات التي وصلت اواخر الاسبوع الماضي الى عدد من الشخصيات السياسية "المحايدة" في الصراعات الداخلية اذا جاز هذا التعبير والمتابعة عملية تأليف الحكومة، اشارت الى اعتزام رئيس الجمهورية العماد اميل لحود تحقيق امرين مهمين. الاول، "تعجيز" الرئيس المكلف فؤاد السنيورة وتاليا دفعه الى الاعتذار عن عدم التأليف. والاخر، ابقاء رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي على رأس الحكومة الجديدة وخصوصا بعدما نجح خلال ولايته في انجاز معظم ما طلبه منه اللبنانيون والمجتمع الدولي سواء مباشرة او مداورة واشاعة شيء من الارتياح الشعبي الى اداء حكومته وتحديدا اداء التكنوقراط من اعضائها.

ما مدى صحة هذه المعلومات؟

لا احد يستطيع ان يجزم بصحتها او بعدمها. لكن الكلام شبه اليومي الذي صدر عن الرئيس لحود منذ تكليفه السنيورة تأليف الحكومة الجديدة فضلا عن المناقشات التي دارت بين الرجلين الاسبوع الماضي تضمن اشارات مهمة ابرزها اثنتان. الاولى، تمسكه بحكومة وفاقية اي بحكومة وحدة وطنية او اتحاد وطني. ويعني ذلك امرين. الاول، عدم ابقاء التكتل النيابي لـ“التيار الوطني الحر” الذي يضم 21 نائبا خارج الحكومة نظرا الى ما يمثله شعبيا وخصوصا في اوساط الطوائف المسيحية المتنوعة وقد جاء التمسك المذكور بعد فشل المفاوضات بين الرئيس المكلف وتيار “المستقبل” الذي يدعمه من جهة وزعيم التيار المذكور العماد ميشال عون من جهة اخرى واعلان الفريقين ذلك امام وسائل الاعلام. والثاني، عدم الاستناد فقط الى الغالبية النيابية في تأليف الحكومة الجديدة، وهي مؤلفة من “تيار المستقبل” و“اللقاء الديموقراطي” ومجموعات “لقاء قرنة شهوان” وغيرها لان من شأن ذلك تهميش من يمثل الغالبية الشيعية في البلاد استنادا الى نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة وخصوصا في الجنوب والبقاع اي حركة “امل” و“حزب الله”. علما ان لا شيء يضمن نجاح الغالبية المشار اليها في تأليف حكومة جديدة في مناخ كهذا لان “اللقاء الديموقراطي” قد يمتنع عن تسهيل قيامها بسبب غياب التمثيل الشيعي الفعلي وخصوصا بعدما رسا زعيمه النائب وليد جنبلاط اخيرا وبعد طول تقلب على موقف رفض القرار 1559 والتمسك بوجود الحزب والحركة في الحكومة. وعلما ايضا ان تمسك الرئيس لحود بالتوازن الوطني والحكومة الوفاقية وهو العارف تماما حقيقة موقف الطرفين الشيعيين القويين المذكورين قد يكون مرتبطا باستمرار تحالفه الوثيق مع سوريا وبسعيه الدؤوب الى استمرار سياستها اللبنانية والاقليمية بواسطة لبنان وذلك رغم خروجها منه. اما الاشارة الثانية فهي تركيزه على انه ليس “باش كاتبا” وعلى ان دوره في عملية تأليف الحكومة ليس شكليا بل هو شريك فيها وفقا لنصوص الدستور. وعكس ذلك استعداده لرفض اي تشكيلة حكومية لا تستوفي معايير الوحدة الوطنية او الوفاق الوطني وان ادى ذلك الى تأخير موعد ولادة الحكومة او الى مضاعفات سلبية من نوع اعتذار الرئيس المكلف والعودة الى الاستشارات النيابية من جديد.

هل تجاوب الرئيس المكلف فؤاد السنيورة مع مواقف رئيس الجمهورية اميل لحود المشروحة آنفا؟

المشاورات التي جرت في النصف الثاني من الاسبوع الماضي بين السنيورة وعدد من الفاعليات السياسية اللبنانية اظهرت في شكل او في آخر نجاحا في استيفاء التشكيلة الحكومية التي ستقترح وان لم تكتمل تفاصيلها بعد المعايير التي وضعها لحود رغم اعتراض جهات سياسية عدة بعضها اسلامي على توسعه في تفسير نصوص الدستور بطريقة تعطي دوره في تأليف الحكومة وفي قضايا عدة اخرى حجما اكبر من الدور المحدد له وامتناعه في الوقت نفسه عن اثارة هذا الموضوع لان ظروف لبنان الصعبة تقتضي الاسراع في تأليف حكومة قابلة وقادرة على قيادته في هذه المرحلة الانتقالية والتأسيسية والتي لا يعرف أحد كم تطول. فـ“التيار الوطني الحر” صار داخل “التشكيلة” الحكومية مع حلفائه. وحقيبة الخارجية ستذهب الى احد ابناء الطائفة الشيعية الذي وإن لم يكن عضوا في “حزب الله” سيجد نفسه مضطرا او راغبا لا فرق في الانسجام مع الموقف السياسي العام لمن يمثلها في مجلس النواب بشقيه الداخلي والسوري والاقليمي. ويعني ذلك انه لم تعد هناك حجج او ذرائع عند رئيس الجمهورية لعرقلة تأليف الحكومة الجديدة وتاليا لدفع الرئيس المكلف الى الاعتذار على افتراض صحة المعلومات عن ذلك التي يتداولها عدد من الشخصيات السياسية المهمة و"المحايدة".

هل هذا صحيح؟

انه كذلك من الناحية المبدئية او هكذا يجب ان يكون. لكن المعلومات التي تداولتها وسائل الاعلام على تنوعها منذ تكليف فؤاد السنيورة تاليف الحكومة الجديدة اشارت الى معيار اخر يجب ان تستوفيه هذه الحكومة قبل الموافقة عليها واصدار مرسومها وان يكن رئيس الجمهورية تجنب الحديث عنه رسميا عبر الاحاديث التي نقلها عنه زواره الكثر وبموافقته في الفترة الاخيرة. والمعيار هو تمثيله هو في الحكومة. طبعا يعرف لحود ان الظروف اختلفت او بالاحرى تغيرت وانه لم يعد قادرا على طلب “توزير” عدد كبير من اعضاء الحكومة يعتبرهم له. لذلك فانه لا يطلب عددا كبيرا بل وزيرين فقط اولهما صهره وزير الدفاع الحالي الياس المر ووزير الاعلام الدكتور شارل رزق. والمعلومات التي تسربت حتى الآن الى وسائل الاعلام عن هذا المعيار لم تشر الى هذا الموضوع وخصوصا بعدما ذُلّل معظم العقد الاخرى. فهل يتحول عقدة؟ وهل يستطيع الرئيس لحود ان "يفرط" الاتفاق الحكومي لمعظم الفاعليات الاساسية في البلاد بسبب غياب اي وزير له في الحكومة الجديدة؟ وهل تقبل هذه الفاعليات هي المدركة تمام الادراك خطورة المرحلة التي يمر فيها لبنان؟ طبعا لا احد يملك جوابا عن كل ذلك علما ان الساعات المقبلة قد تكشف (اذا لم تكن كشفت امس) صحة كل المعلومات التي بدأنا بها الموقف او زيفها او وقوعها في الموقع الوسط.

الا ان السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل يتقبل الرعاة “الدوليون” للبنان في هذه المرحلة الانتقالية “تعجيز” السنيورة ودفعه الى الاعتذار عن سابق تصور وتصميم وابقاء الرئيس ميقاتي في السرايا الحكومية؟ لا احد يعرف علما ان هؤلاء الرعاة قد يحاولون عدم التدخل او ابقاء تدخلهم بعيدا من الاضواء في ظل ارتفاع اصوات “اساسية” لبنانية ترفض وصايتهم وخصوصا بعد زوال الوصاية السورية، هذا اذا زالت. لكن المعلومات المتوافرة عن هذا الامر تشير الى جوابين متناقضين. الاول، ان الرعاة المذكورين يرحبون بعودة ميقاتي او ببقائه لان تجربته الحكومية كانت ناجحة على محدوديتها. وقد عبر ممثلوهم في لبنان عن ذلك علنا، في اكثر من مناسبة. والثاني، ان بعضهم منزعج منه لسببين ابرزهما خروجه عن الحياد في العملية الانتخابية في صورة شخصية في احدى دائرتي الشمال.

مصادر
النهار (لبنان)