يرى ديبلوماسيون ان الاجراءات التي تتخذها سوريا على الحدود مع لبنان الى درجة اغلاقها من دون اعلان ذلك رسمياً هي بمثابة رد فعل طبيعي على خروج للقوات السورية لم يكن مشرفاً بالنسبة اليها نتيجة القرار 1559. فسوريا بهذه الاجراءات تسجل نقطتين احداهما انها توجه رسالة الى من يهمه الامر انها لا تزال لاعباً مهماً على الساحة الداخلية بحكم وجودها الجغرافي والسياسي وعلاقاتها التاريخية، وانها تملك مناعة ضد الانتقادات او المآخذ الغربية على خلاف ما كان عليه الامر حين اتهمها بعض الدول الغربية بالمسؤولية المعنوية عن الاغتيالات والتفجيرات التي حصلت في لبنان في الفترة الاخيرة. ولا تملك هذه الدول الا ان تبدي للسوريين ادنى تحفظ في هذا الاطار ذلك ان عنوان مكافحة الارهاب يغري هذه الدول وخصوصاً ان سوريا قدمت نماذج بالتزامن مع تشددها على الحدود بررت خطواتها، فكيف اذا كان هذا التشدد يصب في وقف امتداد العمليات الارهابية الى العراق. الا ان هؤلاء المتابعين لا يعتقدون ان سوريا قد تذهب بعيداً او طويلاً في هذه الاجراءات لانها ستتأذى هي نفسها اقتصادياً عند حد معين، واذا استطاع لبنان تجاوز هذه الازمة لمدة معينة فإن سوريا ستضطر الى تعديل اسلوبها الى سبل اخرى تظهر فيها استمرار قدرتها على ان تكون لاعباً سياسياً مؤثراً في لبنان. وذلك في الوقت الذي يضطر رئيس الوزراء المكلف الى اجراء تسويات مع كل الافرقاء من اجل تأليف الحكومة لئلا يواجه حائطاً مسدوداً يدفعه الى الاعتذار مفسحاً في المجال امام مكسب يسجله من يرغب في عدم نجاح الغالبية النيابية في ادارة السلطة في لبنان.

والمحاولات السورية لن تتوقف في رأي هؤلاء المتابعين، لان في يد دمشق الكثير من الاوراق التي يمكن ان تلعبها ومن بينها تلك التي ترميها ضمناً على لبنان في الموضوع الامني اذ ان ابداءها تخوفها من نقل متفجرات واسلحة عبر لبنان يرمي الى اظهار ان الساحة اللبنانية غير ممسوكة امنياً، على غير ما كانت ابان وجودها هي في لبنان. بالاضافة الى انها ترد عنها في شكل غير مباشر الاتهامات بالمسؤولية عن الحوادث التي وقعت اخيراً باعتبار ان لبنان "فالت" امنياً. واعترافات مسؤولين لبنانيين كبار ان لبنان يملك اجهزة بدائية في التحقيق وكشف الجرائم والاغتيالات يجعل مخاوفها في محلها رغم ان ذلك يقود الى التساؤل اذا كانت سوريا اعادت فعلاً بناء الاجهزة الامنية اللبنانية فإن هذه لا تتمتع بالكفاية التي افتخر المعنيون بها طويلاً. الا انه يعتقد ان ثمة الكثير على الساحة اللبنانية مما يشجع دمشق على المضي في مقاربتها الموضوع اللبناني بهذه الطريقة، وذلك نتيجة اعادة تعويم التركيبة السياسية التي انتجتها هي نفسها بعد اتفاق الطائف اكان ذلك في العودة الى تبني قانون الانتخاب لعام 2000 وما ادت اليه هذه الانتخابات من نتائج، ام الى اعادة انتخاب الرئيس نبيه بري في رئاسة مجلس النواب او في بقاء الرئيس اميل لحود في سدة الرئاسة الاولى. واخيرا وليس آخرا تعطيل امكان ان تشكل الغالبية النيابية الحكومة على ما تفترض ذلك اي ديموقراطية، بل اضطرار هذه الغالبية الى اعادة انتاج تحالف طوائفي من الكتل النيابية الفائزة مما يثير شكوكا كبيرة واسئلة حول مغزى اجراء انتخابات نيابية ما دامت كل طائفة ستوصل من تريده هي ثم ان كلا من هذه الطوائف ستقتسم الحكومة وتسمي وزراءها وسط ذهول الكثير من المراقبين الذين كانوا يتوقعون ان تحدد على الاقل اسماء الوزراء الاكفياء في الحقائب الحساسة اكان ذلك بموافقة الطوائف التي ينتمون اليها ام لا باعتبار ان الحكومة هي غير مجلس النواب.

وفي هذا الاطار يتوقف الديبلوماسيون امام امرين مثيرين للقلق في رأيهم:

الاول يتعلق بسعي الطوائف الى تكريس اعراف لا ينص عليها الدستور اللبناني تتمثل في ان الطوائف باتت تقتسم مجلس الوزراء في حين ينص الدستور الذي عاد اليه بعض هؤلاء المتابعين للتثبت من صدق مخاوفهم، على الغاء الطائفية السياسية وعلى ان النظام القائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها وليس على "تصغير" مجلس النواب واختصاره بالحكومة، وعلى ان لبنان جمهورية ديموقراطية وليس كونفيديرالية طوائف بل اسوأ تحالف طوائف في ما بينها. وهذه الاعراف تشكل خطرا شديدا على لبنان ومستقبله خشية ان تصبح عمليا اقوى من الدستور.

الامر الآخر اللافت في نظر هؤلاء اعتماد “حزب الله” كليا على “اللغة” الطائفية وهو امر لم يعهدوه فيه سابقا وتجييش الطائفة الشيعية من اجل الدفاع عن سلاحه وموقعه من ضمن السلطة الجديدة. وهو امر يتخطى المبدأ الطائفي الذي تقوم عليه تركيبة الحزب، الى المنطق او الخطاب الجديد الذي بدأ يعتمده في معركته في مواجهة القرار 1559 او في مواجهة بقية افرقاء الداخل واستعمال الطائفة لتحصين مواقعه السياسية.

وهو امر ستكون له انعكاسات خطرة متى واجه الحزب اي مشكلة داخلية وليس خارجية فقط على ما سيتحول تنفيذ القرار 1559 الذي ستعطي الدول المعنية لبنان مهلة للبحث في ايجاد حل له. في حين ان وضع طائفة في مواجهة الطوائف الاخرى سيؤدي الى تعقيد الوضع الداخلي على ما تشير اليه تعقيدات الامور حتى الآن.

مصادر
النهار (لبنان)