للوزير الياس المر الذي نجا من الاغتيال قبل ظهر امس بفضل العناية الالهية وحدها اصدقاء ومحبون ومؤيدون للخط السياسي الذي اختاره منذ بدأ تعاطي الشأن العام في صورة رسمية من الموقع الوزاري. وله في الوقت نفسه اعداء واخصام ومنافسون ومنتمون الى خط سياسي آخر مختلف عن خطه او ربما متناقض معه. كل هؤلاء كانوا قبل ظهر امس وبعدما سمعوا نبأ الانفجار الذي تعرض له يصلون كل على دينه كي يمن الله عليه بالنجاة. وكانوا غاضبين لان ما جرى امس في منطقة النقاش اكد لهم ان ثقافة العنف والقتل والاجرام لا تزال سائدة في البلاد وان احدا من الكبار او الصغار ليس فوق رأسه خيمة وان اعادة بناء الدولة التي فاخر رئيسان للجمهورية بانهما قاما بها او بدآها اعتبارا من عام 1990 لم تكن الا مسرحية اعدها واخرجها الخارجان الشقيق والصديق ومثل فيها قادة وزعماء لا ينطبق على معظمهم هذا الوصف. وكانت هذه المسرحية حينا مضحكة او هزلية وكانت حينا اخر درامية او مأسوية. وهي لا تزال كذلك باعتبار ان عرضها مستمر منذ نحو 15 سنة. ومضمونها لم يتغير رغم تغير الكثير من الظروف الداخلية والخارجية خلال تلك الفترة الطويلة.

وكل هؤلاء كانوا ايضا خائفين. فهم خائفون من الشقيق الذي يفترض ان يكون سندا لهم فاذا به يعاقبهم بطرق متنوعة كان اكثرها وضوحا الضغط الاقتصادي عبر الاغلاق غير الرسمي للحدود البرية معه، وخائفون من الصديق الذي تحركه عادة مصالحه لا قيمه المعلنة والذي سبق له ان باعهم وان موقتا مرة للاعداء ومرة اخرى للاشقاء على تنوعهم والذي يمكن ان تدفعه مصالحه الى بيعهم مرة اخرى او على الاقل الى المساومة عليهم في بازار الحروب الدائرة في المنطقة والتسويات اللازمة لها. وخائفون على مستقبل البلاد والدولة والوطن. ولن يكون مستقبلا مشرقا على الاطلاق اذا استمرت الانقسامات العميقة بين “شعوبه” اي طوائفه ومذاهبه واذا استمر كل من هذه الشعوب في ممارسة ازدواجية بالغة الخطورة. اذ يلتزم في العلن سياسات واستراتيجيات وطنية في حين انه يمارس فعلا وعلى نحو ظاهر سياسات فئوية واحيانا صغيرة. ويبدو ان هذه الازدواجية مستمرة. وكلهم ايضا كانوا مصدومين بالفرق الواسع بل الشاسع بين ما يسمعون من قادتهم اي زعماء الطوائف والمذاهب ومن حكامهم وبين ممارساتهم او ممارسات معظمهم التي لا تنم عن اي احساس بالمسؤولية الوطنية والتي ليس لها الا هدف واحد هو السيطرة من جهة والاقصاء من جهة اخرى. وبذلك يدمر لبنان ولا يُعمر. طبعا قد يرى البعض ان لا مبرر للشعور بالصدمة عند هؤلاء كلهم لان لبنان كان طول عمره على هذه الحال قبل الحرب واثناءها وبعد انتهائها. وذلك صحيح من حيث المبدأ. اما من حيث الواقع فان الصدمة مبررة لان امورا عدة حصلت في البلاد منذ بدء مسلسل الرعب وعدم الاستقرار في لبنان بمحاولة اغتيال النائب مروان حماده في تشرين الاول الماضي وزرعت املا في قلوب الناس الذين يئسوا من مرجعياتهم وزعاماتهم واحزابهم ومن اشقائهم ومن المجتمع الدولي برمته. ومن هذه الامور عودة المجتمع الدولي بمباركة عربية الى الاهتمام بلبنان بعد اهمال طويل له والى مساعدته لاستعادة سيادته واستقلاله ولتثبيت نظامه الديموقراطي. ومنها ايضا تجاوز اللبنانيين وبالاحرى قسم كبير منهم الانتماءات الطائفية والمذهبية واجتماعهم بمئات الالوف في ساحة الشهداء يوم 14 آذار الماضي اي بعد شهر من استشهاد الرئيس رفيق الحريري مطالبين بترجمة كل ما ورد في اتفاق الطائف من استعادة لبنان وبناء دولة وعيش مشترك وحرية وديموقراطية. ومنها ثالثا حصول انتخابات نيابية معقولة رغم القانون الاعوج وكل السلبيات الاخرى المعروفة افرزت غالبية قادرة او يفترض انها قادرة على قيادة البلاد نحو الممارسة الديموقراطية الفعلية. وفي متابعة دقيقة لكل هذه الامور الثلاثة يلاحظ اللبنانيون انها لم تستمر او انها تبددت. فالمجتمع الدولي سيتابع اهتمامه بلبنان. ولكن ليس الى الابد وخصوصا اذا اظهر اللبنانيون انهم غير مهتمين ببلادهم. وتركهم لمصيرهم لا بد ان يعيدهم الى حال بالغة الصعوبة سياسيا وامنيا واقتصاديا. و14 اذار تبخر. والغالبية النيابية تتفرفط لاسباب عدة منها ان الوضع الداخلي الطائفي والمذهبي لا يسمح لها بالتصرف كغالبية رغم القوانين والانظمة والديموقراطية.

هل من شيء يمكن ان يعيد الامل الى نفوس اللبنانيين؟

نظريا يستحيل فقدان الامل. واذا فقد لا بد من اختراعه. لكن كيف يتمسك اللبنانيون به وهم يعانون ظلم بعضهم بعضا وظلم الحكام وظلم الاشقاء وظلم الاصدقاء او عجزهم وظلم الاعداء. اليس هذا كثيرا على بلد صغير كلبنان وعلى “شعوبه” التي لم ترتح فعليا منذ عام 1975.

مصادر
النهار (لبنان)