تحاول اسرائيل في كل مرة يقوم فيها الارهاب الاسلامي الاصولي بهجماته توظيف ذلك لمصلحتها عبر تصوير المواجهة مع المنظمات الاصولية الفلسطينية كجزء لا يتجزأ من الحرب التي يخوضها الغرب ضد التطرف الاسلامي المتمثل بـ“القاعدة”. هذا ما فعلته بعد هجمات الحادي عشر من أيلول على اميركا، وهذا ما حاولت ان تفعله بعد هجمات السابع من تموزعلى لندن. ولكن هذه المرة اصطدمت بموقف رئيس الحكومة البريطانية طوني بلير الذي اعتبر النزاع في الشرق الاوسط من بين الاسباب الاساسية وراء صعود نفوذ التيارات الاصولية وتالياً الهجمات الارهابية ضد اهداف اوروبية واميركية.

حتى الآن لم يثر موقف طوني بلير هذا أي رد فعل رسمي اسرائيلي بعكس تعليقات الصحف التي اعتبرت كلام بلير بمثابة توجيه اتهامات الى اسرائيل بصفتها مسؤولة بشكل من الأشكال عما وقع في لندن عوضاً عن اعتبارها ضحية ايضاً للإرهاب الاسلامي الاصولي كما يعتقد الاسرائيليون.

ليست هذه المرة الاولى التي يجري فيها الربط بين النزاع في الشرق الاوسط وتفجر مشكلة الارهاب الاسلامي الاصولي. فلقد سبق وجرى هذا ايضاً في اعقاب هجمات الحادي عشر من ايلول على الولايات المتحدة، وعاد ليطرح من جديد مع المعارضة الاوروبية الشديدة لغزو العراق، ومع تبلور نوع من رأي عام اوروبي يعتبر اسرائيل مصدراً لزعزعة الاستقرار في العالم بسبب نزاعها مع الفلسطينيين، وقد أثار الاستفتاء الأوروبي بهذا الشأن ردود فعل غاضبة وشاجبة له داخل اسرائيل.

ليس خافياً على اسرائيل أنه رغم التحالف الذي يجمع بين الدول الاوروبية والولايات المتحدة في حربها على الارهاب ثمة تمايز واضح بين الموقفين الاوروبي والاميركي من مسألة التسوية السياسية للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي واستمرار الاحتلال الاسرائيلي للضفة وغزة. وخلال سنوات الانتفاضة الفلسطينية شكل تردد الحكومة الاسرائيلية في القبول بـ"خريطة الطريق" التي تبنتها الدول الاوروبية سبباً اساسياً للتوتر في العلاقات الاوروبية الاسرائيلية والبريطانية خصوصاً في ظل مواقف المسؤولين البريطانيين الداعية الى الانسحاب من المناطق الفلسطينية والتي كادت تؤدي عام 2003 الى أزمة بين الدولتين. ولكن منذ اعلان ارييل شارون عن خطته للإنسحاب من طرف واحد من غزة واخلاء المستوطنات اليهودية هناك التزمت اوروبا وبريطانيا جانب الصمت في انتظار ان تكون الخطوة التالية لتطبيق خطة فك الارتباط عن غزة هي العودة الى تطبيق "خريطة الطريق".

تذكير الرئيس البريطاني طوني بلير بضرورة ايجاد حل سلمي للنزاع الشرق الاوسطي من اجل اقتلاع الارهاب من جذوره، أيقظ من جديد هواجس اسرائيل من بروز ظروف دولية تؤدي الى فرض تسوية سياسية لا تتلاءم مع مصالحها وتأتي على حسابها. من هنا الغضب المكتوم على تصريحات بلير وتوقع الأسوأ منه لا سيما ان الرئاسة الدورية للإتحاد الاوروبي باتت له منذ مطلع هذا الشهر.

ينتظر الاسرائيليون ان يقدم بلير فور انتهاء أرييل شارون من تنفيذ انسحابه الأحادي من غزة الى طرح فكرة جديدة للتسوية الدائمة يشبّهها بعض المعلقين الاسرائيليين بانها ستكون بمثابة "وعد بلفور" جديد للمنطقة. وتماماً كما وعد البريطانيون قبل 88 عاماً الحركة الصهيونية بوطن قومي يهودي في فلسطين من شأن بلير ان يسعى هذه المرة الى اقتراح قيام دولة للفلسطينيين الى جانب دولة اسرائيل. الأمر الذي لا ينسجم أبدا مع توجهات السياسة الرسمية الاسرائيلية التي يتبناها شارون منذ وصوله الى السلطة والقائمة على الحلول الجزئية الأحادية والطويلة الأمد وتأجيل أي بحث في الحل الدائم والتسوية النهائية الى فترة لاحقة وذلك بعد التأكد من تفكيك البنية التحتية للمنظمات الفلسطينية المسلحة والتأكد من قدرة السلطة الفلسطينية بزعامة محمود عباس على فرض سلطتها السياسية والامنية على الضفة وغزة.

ويبقى السؤال ما الذي يأتي اولاً: الحل السياسي للنزاع أم التصدي لمواجهة الارهاب؟ بالنسبة الى الإسرائيليين لا مجال لبحث أي تسوية سياسية قبل حسم موضوع الارهاب ولكن على ما يبدو ليس هذا هو رأي الأوروبيين وبريطانيا.

مصادر
النهار (لبنان)