تلقى النقاش العام حول مسألة انتشار قوات مصرية على طول محور الحدود في سيناء، زخماً في الآونة الأخيرة. ويرتبط هذا النقاش بقضية أوسع هي مسألة تعاظم القوة العسكرية المصرية وأهدافها.
يمكن تحديد مدرستين من النقاش في هذه القضية: المدرسة المتشددة التي ترى في السلوك المصري تهديداً حقيقياً لإسرائيل، ولذا ممنوع المخاطرة عبر إدخال قوات مصرية «وإن تعلق الأمر بـ750 جندياً فقط»؛ والمدرسة الواقعية، التي تدعي أن تعاظم القوة المصرية يحصل لغايات تتعلق بالضرورات الدفاعية وبقدرة الردع مقابل إسرائيل، وأن السلام مستقر بما يكفي للسماح بالخروج عن اتفاق السلام.

منظومة العلاقات بين إسرائيل ومصر يجري تعريفها في إسرائيل على أنها “سلام بارد”. المصريون، من ناحيتهم، فضلوا اعتبار العلاقات مع إسرائيل سلاماً “طبيعياً” لكن من دون تطبيع ـ وهو التعبير الذي حظي بمغزى سلبي عند الشعب المصري. وإحدى ميزات “السلام البارد” هو أن خطط الدُرج للحرب تبقى موجودة. لكن من المناسب فحص ما هي فرص العودة الى حالة الحرب. عملياً، ثمة لمتخذي القرارات في مصر أربعة أسباب جيدة على الأقل تُفسر سبب عدم الخروج، أو التخطيط، للحرب ضد إسرائيل، وثمة سبب واحد ممكن لشن الحرب. السبب الأول يرتبط بالوضع الديموغرافي؛ فطوال العقدين الماضيين كافح الرئيس مبارك لخفض الزيادة السكانية. وعلى الرغم من تحقيقه نجاحات مثيرة، إلا أن مصر لا تزال تواجه صعوبة كبيرة لا توشك على الاختفاء في المستقبل المنظور. فالمشكلة الديموغرافية تلزم الدولة بالتركيز على المجالات الصحية، التعليمية، البطالة، البنى التحتية وغيرها من القضايا الداخلية. ويمكن بالطبع لأنصار المدرسة المتشددة الادعاء أن الزيادة السكانية تشكل وصفة للحرب، لكن هذا الادعاء لا يماشي منظومة العوامل القصرية المصرية التي أُشير إليها آنفاً.

ثانياً، تتلقى مصر من الولايات المتحدة مساعدة بقيمة 2.3 ملياري دولار سنوياً. وعلى الرغم من أن هذا المبلغ يسمح لها بشراء سلاح غربي متطور، لكنه يساعد اقتصادها المنتعش. ومن شأن الحرب ضد إسرائيل أن يعرّض للخطر استمرار تلك المساعدة، وأن يؤدي أيضاً لعزل مصر على الحلبة العربية والدولية.

ثالثاً، جلب السلام لمصر استثمارات عربية وغربية كثيرة. وهو مكّنها من مواصلة برنامج الخصخصة، وضاعف المداخيل المالية في مجالات السياحة ورسوم العبور في القناة، وهما القطاعان اللذان كانا الأكثر تضرراً خلال الحرب أو التوتر.

رابعاً، تعاظم قوة وتحديث الجيش المصري لم يرفع مصر حتى الآن من موقع الدونية مقابل إسرائيل وفق معايير عديدة. فالخشية المصرية من السلاح النووي الإسرائيلي، مثلاً، هو الذي يحرّك محاولات مصر للضغط على إسرائيل بغية الانضمام الى المعاهدة الدولية لحظر انتشار السلاح النووي. في هذه الحالة من توازن القوى، يمكن لمصر أن تأمل بردع إسرائيل، لكن ليس للمبادرة بشن الحرب ضدها (هذا المنطق لم يصمد عام 1973، لكن الظروف كانت مغايرة). السبب الوحيد الذي بسببه يمكن لمصر الانجرار الى الحرب يكمن في حصول تغيير داخلي كبير، مثل سيطرة جهات إسلامية متطرفة على السلطة. لكن يتعيّن التأكيد، مع ذلك، أن مثل هذا الخيار لا يبدو في الأفق. أضف الى ذلك، لا يمكن الافتراض بشكل بديهي أن كل نظام إسلامي لا يمكنه التصرف بشكل واقعي، وفقاً لمصالح الدولة.

إذا كان هذا التقدير صحيحاً، فمن المناسب أن نسأل: لماذا تعاظم مصر قوتها على الرغم من ذلك؟ أولاً، لا زالت تخشى إسرائيل؛ فمن وجهة النظر المصرية، لم تتخل إسرائيل عن خيار الحرب ولذلك يتعيّن العمل لردعها. ثانياً، تشعر مصر بالقلق من تآكل مكانتها في العالم العربي. فهذه المكانة تستند، من جملة الأمور، الى قدرتها العسكرية. ثالثاً، بسبب طموحها الإقليمي، ترى مصر في الخليج الفارسي ساحة مشروعة لنشاطها. لذلك، يجب عليها إيجاد قدرة تسمح لها بالضلوع هناك أيضاً “كما حصل في حرب الكويت 1990”. رابعاً، يشكل الجيش المصري أيضاً دعامة للنظام في وجه المخاطر الداخلية “مثل التنظيمات الإسلامية المتطرّقة”.

دولة إسرائيل تعمل، بشكل علني على الأقل، على أساس السيناريو الأسوأ. وهي محقة في ذلك بشكل عام. لكن بما أن خيار الحرب مع مصر مستبعد جداً، فمن الأفضل أن يحاول أصحاب القرار العثور على سبل إضافية لتحسين العلاقات، وبذلك يتم إبعاد هذا الخيار أكثر.
إن إعادة السفير المصري، الإفراج عن عزام عزام، توقيع الاتفاق لشراء إسرائيل للغاز المصري، ثم التوقيع على اتفاق اقتصادي بين الدولتين في العام 2004، كل هذه الأمور تشكل خطوات مهمة في اتجاه تعزيز السلام. كما أن زيادة التدخّل المصري في عملية السلام ـ وإن كان ثمن ذلك نشر قوات مصرية رمزية على طول الحدود ـ يشكل خطوة إضافية في طريق الانتقال من السلام الطبيعي الى التطبيع.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)