تاريخنا ماكر. بعد مدة وجيزة على الاحتفالات الوطنية السنوية بيوم توحيد القدس أطل علينا قرار الحكومة بإنشاء “غلاف القدس” “السور المحيط بالقدس” الذي يعزل 55 ألفاً من سكان شرقي القدس عن المدينة.

رويداً رويداً، ولكن بمنهجية ثابتة، تندفع إسرائيل الى الأمام لترسيم حدودها الذاتية وتحرير نفسها من عبء أمني واقتصادي زائد. هذا أمر جيد، إلا أن هذا القرار يشكّل دليلاً جديداً على الطريقة التي انقلبت فيها التصورات والمنطق من قبل حكومات إسرائيل، لأن الأمور تسير عندنا وفق مبدأ التفكير بعد العمل وليس العكس، فلا غرابة إذن أن دُعاة الضم والإلحاق سينتهون بالنحيب والعويل.

حكومة إسرائيل ستبني جداراً يُخرج من نطاق القدس آلاف المواطنين الفلسطينيين ويُبقي فيها عشرات الآلاف الآخرين. عندما يقومون بالضم بصورة عشوائية، يضطرون في تلك الحالة لمواجهة المعطيات التي يفترضها مثل هذا الفصل العشوائي: على الحكومة وبلدية القدس أن توفر للناس خارج السور خدمات صحية وتعليمية وإدارية بعد أن تقوم بإخراجهم من المدينة. إدارة فك الارتباط والموارد الكثيرة التي ستخصص للعملية ستضطر لمواجهة عملية فصل التوأمين السياميين بصورة ناجحة. من السهل القيام بالضم ولكن الفصل أصعب بكثير. ليست هناك أدلة دامغة بعد على إمكانية الفصل بين البيضة والدجاجة بسلام. من المضلل جداً اعتبار إقامة السور الذي سيعيد ترسيم حدود القدس شريطاً حريرياً يهدف الى لفّ العاصمة بلمسته الدافئة، والمليئة بالعطف والشفقة. مهما كانت اللغة العبرية خلاقة، فإن “غلاف القدس” ليس إلا مغسلة كلمات للتغطية على عملية تمزيق مؤلمة.

السور يُشيد من مواد صلبة وقاسية، والمس بسكان شرقي المدينة لا يمكن له أن يُغلف باللفتات الإنسانية وكأننا نتحدث عن لوحات جمالية طبيعية للفنان كريستو. مغزى قرار الحكومة هو خطوة صعبة في معانيها ومعقدة في تنفيذها لدرجة لا سابق لها.

مصادر
يديعوت أحرنوت (الدولة العبرية)