ربما لم تشهد أي ساحة سياسية اختناقات مرورية بعدد المغادرين منها كما حدث خلال العقد الأخير في الشرق الأوسط عموما .. حيث لم يقتصر الأمر على انكفاء الكوادر بل تجاوزه إلى القيادات وأعضاء المكاتب السياسية، حتى أن البعض مازال مسجلا في المكاتب السياسية رغم انه نسي “الحلم الإيديولوجي”الذي رافقه عندما ارتقى في السلم الحزبي.

الاختناق المروري على الساحة السياسية يرتد يشكل دائم نحو الصيغة الحزبية القائمة، التي تتحول من قيادة تيار إلى جهاز سياسي، ومن مشروع عام إلى برامج داخلية تدفعها أحيانا لتبديل اسمها، وأحيانا أخرى إلى صياغة آليات “البيانات” الموزعة على المواقع الإلكترونية.

والاختناق المروري لم يدفع المغادرين أو الصابرين داخل الأحزاب لقراءة مشاريعهم من جديد، فهم مزدحمون على خط المغادرة ما بين الحزب والساحات الاجتماعية ... وهم أيضا مغلفون بالدهشة للهامش السياسي الذي يبقي تيارا كاملا على الخط الفاصل ما بين الحزب وأشكال الحياة الاجتماعية الأخرى.

هذا الاختناق يدفع الحياة السياسية نحو بناء حالة من الافتراضات الدائمة حول طبيعة التغير السياسي، أو إسناد ما يحدث لظرف تاريخي أو حتى لاضطهاد السياسي .. وربما تكون التحليلات صحيحة لكنها غارقة في الأزمة، وعاجزة عن تجاوز عمليات الاختناق التي رافقت عصر الإخفاق الحزبي لصالح الثقافة التراثية.

ربما نصحو بعد عقد من الزمن لنجد أننا لا نملك سوى اختناق مروري، بينما يختفي التكوين السياسي، والأحزاب كمؤسسات معاصر .. وتتضخم حالة “العمدة” فيصبح عمداء العائلات على اليافطات السياسية بدل تواجدهم الحالي على النعي المنتشرة على جدران المدينة !!!!