اختصار شديد، ما جرى في لندن الخميس الفائت هو عمل بربري وجبان. ولكنه نجح في مهمته، إن كانت هذه المهمة هي مزيد من التشويه لصورة العرب والمسلمين و خلق المزيد من الأعداء لهم.

بعد أربعة وستين أسبوعا من “غزوة نيويورك” وستة عشر أسبوعا من “غزوة مدريد”، تأتي “غزوة لندن” لتؤكد مدى انحطاط ولا أخلاقية جميع الذين خططوا ومولوا ونفذوا وابتهجوا وسكتوا وتغاضوا عنها. وهذه الغزوة إنما ترتكب في قلب لندن، المدينة التي شهدت بتاريخ 15 آذار 2003، مظاهرة جمعت مليوني بريطاني مناوئ للحرب على العراق، بينهم من جاء من اسكتلندا ومن ويلز ومن شمال إنكلترا ومن لندن نفسها. وهي اختارت ساعة الذروة، إمعانا في التقتيل وإبداء الحقد، واختارت وسائل النقل العامة ليكون من الضحايا الرجال والنساء والأطفال والشيوخ، بدون تمييز.

ومع أن ردود الأفعال الرسمية كانت سريعة وموضوعية هذه المرة من مختلف الحكومات والقوى السياسية العربية، فإن بعض الكثير من الأصوات المتطرفة التي استضافتها المحطات الفضائية عبرت من جديد عن غبطة مبطنة، وتبرقعت بغلالة “الموضوعية،” في سعيها للبحث عن الأسباب التي تقف وراء هذه الأحداث، وألقت باللوم على سياسة رئيس وزراء بريطانيا توني بلير، كونها السبب وراء دفع المتطرفين لفعل ما فعلوا. هذه وقاحة وتستر صفيق وراء التظاهر بالموضوعية لفهم دوافع هذه الأحداث. ومهما حاول المنظرون الإسلاميون أن يبحثوا في هذه الدوافع، فإن السبب في رأيي يبقى واحدا: تعطش دموي للقتل، يغذيه زعماء التطرف الديني الجاهل والأخرق والذي لا يعرف من الدين إلا ما قرأه على يد ابن تيمية وسيد قطب ومروان حديد.

وليس صحيحا أن الفقر يولد الإرهاب. فأيمن الظواهري وأسامة بن لادن من أغنى العوائل في مصر والسعودية. وليس صحيحا أن الجهل يولد الإرهاب، فمعظم الإرهابيين الذين نفذوا مجزرة 11 أيلول متعلمون ويحملون شهادات جامعية أو عليا. وليس صحيحا، ثالثا، أن الظلم وهضم الحقوق يولدان الإرهاب، فمعظم شعوب العالم نالت حريتها واستقلالها بواسطة النضال السياسي أحيانا والعسكري أحيانا، ولكن الشجاع والنبيل دائما. ولنا في نضال شعوب سوريا ومصر وفلسطين والجزائر والهند وفييتنام وجنوب أفريقيا وغيرها كثير مثال طيب عن النضال المشروع من أجل الحرية والعدالة. وليس بينها جميعا من لجأ إلى الإرهاب وتقتيل المدنيين والتضحية بالأطفال والنساء والتلمظ بدمائهم بعد العشاء.

الإرهاب وليد الانحطاط والانغلاق والتقوقع وسيطرة المشايخ المتعصبين. وليد فلسفة تقول إن قتل البشر عمل يتقرب به إلى الله. إنه ثقافة ظلامية تعود إلى فلسفة التضحية بالبشر للتقرب إلى الفردوس.

ولئن كان ملفتا وإيجابيا أن تسارع معظم الحكومات العربية وحكومات الدول الإسلامية وحتى بعض التيارات الإسلامية السياسية إلى إدانة تفجيرات لندن، فإن ذلك لم يعد يكفي الآن. فلطالما بارك أهل الرأي من صفوة المثقفين العرب والأحزاب السياسية القومية والإسلامية أعمال الإرهاب، من خلال صمتهم، وخاصة عندما يقع عمل إرهابي في إحدى الدول الغربية؛ وكأنني بهم يخجلون من أن ينددوا بقتل مدني غربي، خيفة أن يتهموا بإهمال قضاياهم القومية والوطنية. هذا هراء.

وإلى ذلك تأتي وسائل الإعلام ووسائل التلفزيون لتخصص ساعات طوالا لمتشددين من طراز أبي قتادة وأبي حمزة وآباء آخرين لا جدوى من تذكره الآن هدفهم الوحيد والمعلن هو التبرير ل، وتشجيع، أعمال لن تؤدي سوى إلى تدمير الحضارة وقيم التسامح والإنسانية والمحبة والعيش المشترك. وهو، إذا ما نظرنا بعمق، الهدف الرئيس والنهائي للقاعدة و وجميع المنظمات النسخ التي انبثق عنها

لم يعد التنديد الرمزي يكفي. لا بد من أن نرفده بالفعل. وهو ما يعني ضرورة إيجاد حلف عالمي مناوئ للإرهاب، دون الوقوع من جديد في مطب التمييز بين إرهابي وآخر، بين قاتل وآخر. فالقتلة جميعهم متشابهون، وهم إن اختلفوا فإنما حول أي المذاهب يذبحون “خرافهم”. وبانتظار أن يدين جميع شيوخنا وأئمتنا ومثقفينا وأحزابنا السياسية وجمعياتنا غير الحكومية وقادة الرأي عندنا تفجيرات لندن وكل التفجيرات التي سبقتها من نيويورك ومدريد وأسوان وبالي والتي سوف تليها، إضافة إلى حفلات القتل الجماعي باسم المقاومة في العراق، فإننا جميعا مدانون، على الأقل بالتواطؤ وبالابتهاج الدنيء.

مصادر
صحيفة النور (سوريا)