غوش قطيف، المستوطنة الاسرائيلية في قلب قطاع غزة، مكان غير عادي، مزيج عجيب من منطقة سكنية وناد سياحي، اسلاك شائكة وحرارة صحراوية، مستوطنون وراكبو أمواج، يحيط بهم اكثر من مليون فلسطيني. وفي العام الماضي توصل الوسط الاسرائيلي، الذي عاد الى الحياة السياسية مرة اخرى، واصبح اهم قوة سياسية في النزاع العربي الاسرائيلي، الا ان هذه المستوطنات تجربة فاشلة، وصدرت الاوامر للجيش بإخلاء تلك المستوطنات في اطار خطة انسحاب عامة من غزة.

وما يحدث في اسرائيل اليوم هو حدث درامي هائل، يواجه فيه الوسط الاسرائيلي، الذي انتبه الى الخطر الذي يمثله المستوطنون المتطرفون على مستقبل اسرائيل، فيما شعر المستوطنون، وهم مثل الطفل المدلل الذي تعرض للضرب اخيرا، بالاضطراب وعدم التوازن. وهذه فترة خطيرة لان المستوطنين، الذين لا يحترمون سلطة الدولة الاسرائيلية، سيحاولون أي شيء.

عندما كنت في اسرائيل، قبل اسبوعين، استولت مجموعة من المستوطنين المراهقين، تحت تأثير مزيج من الفاشية اليهودية وفكرة الخلاص، على بيت عربي مهجور بجوار غوش قطيف وكتبوا على الحائط بالعبرية عبارة تسيء الى النبي محمد، وعندما رأى الفلسطينيون المجاورون ذلك بدأوا برمي الحجارة على البيت. وأمسك بعض المراهقين المستوطنين بمراهق فلسطيني وراحوا يضربونه بالحجر، وهو فعل وصفه الجيش الاسرائيلي بأنه محاولة «إعدام من غير محاكمة»، فيما تم إنقاذ الصبي على يد جندي اسرائيلي وصحفي سحباه خلف جدار. أما لماذا حاولوا الإساءة الى نبي الإسلام فهنا يبدأ التفسير بعودة ظهور الوسط الاسرائيلي.

فقد تلقى اليسار الاسرائيلي ضربة برفض ياسر عرفات اتفاق السلام في كامب ديفيد. وتلقى اليمين الاسرائيلي ضربة عبر الانتفاضات الفلسطينية خلال السنوات الأربع الماضية، فخلق انهيار اليسار واليمين الاسرائيلي الوسط الاسرائيلي الجديد.

ويريد الوسط الاسرائيلي الجديد ببساطة الابتعاد عن أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، والإبقاء فقط على تلك المستوطنات اليهودية القريبة من القدس وتل أبيب وانتظار ظهور زعامة فلسطينية جديدة.

ولكن الوسط الاسرائيلي الجديد كان بحاجة الى زعيم يتمتع بالشرعية والصرامة لتنفيذ ذلك. وانتهى الأمر الى أرييل شارون الرجل الذي قاد حركة الاستيطان في المقام الأول، ولكنه الذي توصل الآن الى ان على اسرائيل أن تتخلص من غزة من أجل استعادة سمتها اليهودية.

وقد صدم تحول السيد شارون المستوطنين وتعهد كثيرون بالعصيان. وقال موشيه هالبرتال، ان «المستوطنين يعتقدون بان المرجعية تقوم في أرض اسرائيل وليس في دولة اسرائيل.

يقول الكاتب الاسرائيلي آري شافيت ان «الانسحاب من غزة يعتبر ثورة للأغلبية الاسرائيلية ضد سيطرة أقلية المستوطنين»، ويعتقد ايضا بان هذا هو السبب وراء حالة الهيجان التي اعترت المستوطنين لأنهم تعودوا على السيطرة على مصيرنا، بصرف النظر عمن هو موجود في السلطة». ويرى شافيت ان هذه هي المرة الاولى التي تكون فيها رسالة واضحة تتلخص في ان الاغلبية قد ضاقت ذرعا.

يعتقد شافيت بان ما يفعله الوسط الاسرائيلي يعتبر عملا بطوليا بفك الارتباط من غزة ومن الأقلية ، بدون ان يعرف وجهة الأحداث في الخطوة التالية. واختتم شافيت مقاله بأن التصميم على هذا الموقف من جانب الوسط الاسرائيلي يعتبر مؤشرا على «وجود ظاهرة صحية حقيقية»، كما ينظر الى ما يحدث كونه «معركة حقيقية تحتاج فيها قوى الاعتدال الى الكثير من المساندة من العالم الخارجي».

لا شك في ان الصراع في اسرائيل يعتبر صورة مصغرة لما يجب ان يحدث في المنطقة بكاملها.

وصف شارون الصبية الذين كانوا وراء كتابة العبارة المسيئة للمسلمين بأنهم «عصابات متطرفين يحاولون إثارة ذعر المجتمع الاسرائيلي وتقطيع اوصاله من خلال العنف ضد اليهود والعرب، ومن خلال إثارة غضب المسلمين والإساءة لرموزهم من خلال الفوضى والتمرد والعصيان».

من هنا، هل نستطيع القول بأن الوقت قد حان، على الضفة الأخرى، لكي يتحدث العالم العربي ـ الاسلامي مع «الشهداء» الانتحاريين، وأولئك الذين يروجون للكراهية ؟. يا له من سؤال .

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)