رأس وزير الداخلية الفرنسي نيكولا سركوزي أمس اجتماعا أمنيا عالي المستوى في مقر وزارته ضم قادة الأجهزة الأمنية، وهي المخابرات العامة وجهاز مراقبة الأراضي “المخابرات الداخلية” والإدارة العامة لمكافحة الإرهاب وقادة الشرطة والدرك، لدراسة الوضع الأمني في فرنسا والنظر في ما يتوجب اتخاذه من إجراءات إضافية لتحاشي تكرار السيناريو الذي حصل في لندن الأسبوع الماضي على الأراضي الفرنسية. ويأتي هذا الاجتماع لاستكمال التدابير التي أقرتها الحكومة الفرنسية الأسبوع الماضي من رفع درجة التأهب الأمني والارتقاء بالخطة الأمنية الى الدرجة الثالثة مع ما يرافقها من تشديد الرقابة على المواقع الحساسة وتكثيف الدوريات الأمنية والرقابة في أماكن لتجمع العامة مثل المطارات والمحطات والمراكز التجارية الكبرى والأماكن السياحية. وأضيفت الى هذه التدابير إعادة الرقابة على حركة الدخول والخروج عبر الحدود الفرنسية التي ألغتها اتفاقية «شينغن» بين 15 دولة أوروبية، بينها فرنسا، وغيرها من التدابير. والسؤال الرئيسي في اجتماع أمس تمثل في كيفية تفادي ظهور «إرهابيين محليين» على غرار الذين نفذوا اعتداءات لندن يوم الخميس قبل الماضي وذلك عبر معالجة «جذرية» لانتشار الفكر الإسلامي المتطرف. ويتقاطع هذا الموضوع مع «الورشة» الأخرى التي يتصدى لها سركوزي الطامح برئاسة الجمهورية في انتخابات 2007 وهي موضوع السيطرة على الهجرة وتطويعها لتكون في خدمة الاقتصاد الفرنسي وليس عالة عليه.

وتمر المعالجة الأولى وفق وزير الداخلية والأديان في اجتثاث الأئمة المسلمين الذين يروجون للآيديولوجيا المتطرفة التي كان من شأنها مثلا أن حوالي عشرين فرنسيا من أصول مغاربية توجهوا لـ«الجهاد» في العراق ضد القوات الأميركية. وما يحصل في العراق حصل سابقا إبان حرب البوسنة والحرب الأفغانية. ويريد وزير الداخلية، بالدرجة الأولى، التغلب على الصعوبات الإدارية التي تعيق طرد الأئمة أصحاب الخطب النارية. وقال سركوزي لصحيفة «ليبراسيون» في عددها ليوم أمس «إنني ملزم بالقول إنه بعد نيويورك جاءت مدريد وبعد مدريد جاء دور لندن ولا أعرف ما هو الهدف اللاحق. الخطر بمستوى الصفر غير موجود ومن واجبي أن أتحرك قبل أن يضرب القتلة».

ويقول سركوزي «اين يجند هؤلاء الشباب إذا لم يكن في عدد من المساجد والسجون؟». لذا فهو يريد تشديد الرقابة على المساجد وأماكن العبادة والتركيز خصوصا على الأئمة «المتشددين» الذين «يؤثرون على النفوس الضعيفة ويلجأون الى خطاب غير مقبول ومخالف للقوانين (الفرنسية) لأن هذه الخطب لها تأثير على الشبان البسطاء». أما «الحجة» الإدارية التي ستلجأ اليها السلطات المعنية فهي «ارتكاب أعمال استفزازية ومقصودة تدعو الى العنف والحقد». ومنذ بداية العام الجاري ابعدت فرنسا 3 أئمة بتهم مختلفة من جنوب فرنسا، وأول من امس اصدرت المحكمة الإدارية في مدينة ليون حكما بالتصديق على إبعاد إمامين من أصل جزائري هما شلالي بن شلالي وعبد القادر بوزيان اللذين سبق ان طردا لكنهما عادا الى الأراضي الفرنسية. كذلك طردت السلطات 11 إسلاميا منذ بداية العام. ومن التدابير الأخرى المقترحة رفض منح تأشيرة الإقامة أو العمل والإبعاد لمن تحوم حولهم شبهات الانتماء الى التيارات الأصولية. ويترافق ذلك مع رغبة الوزير الفرنسي في الإسراع في مشروع تأهيل الأئمة الفرنسيين بالتعاون مع المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذين ساهم سركوزي بشكل فاعل في ولادته ورعايته.

وتلجأ الدولة الفرنسية الى أداة جديدة هي «الشبكة الإقليمية لمناهضة الإسلام المتطرف» الموضوعة تحت إشراف المحافظين في المناطق والتي من مهامها استخدام كل الوسائل والإجراءات الإدارية والقانونية لتخريب بنى التطرف الإسلامي. وبحسب معلومات وزارة الداخلية فإن هذه الشبكة أخضعت للرقابة 500 شخص اتخذت بحق مائة منهم تدابير إدارية (إبعاد، حرمان من تأشيرة الإقامة أو العمل) و150 مؤسسة ومحلا تجاريا يملكها مسلمون للتحقق من شروطها الصحية والمالية والإدارية و30 قاعة للصلاة. وعلى ضوء هذه التدابير يمكن وعي الأهمية الكبرى التي تعولها الحكومة على المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية للترويج لاسلام معتدل ومنفتح يحترم قوانين الجمهورية الفرنسية. كما تفهم رغبة سركوزي بفرض هيبة الدولة على كل ضواحي المدن حيث تكثر الجريمة ضعيفة المستوى وتهريب المخدرات والمخالفات من كل نوع. وبموازاة ذلك، يريد الوزير الفرنسي إعادة النظر في«النموذج» الاجتماعي الفرنسي للاندماج الاجتماعي عن طريق تخصيص «حصص» معينة للمواطنين من اصول اجنبية في الوظائف والاقتصاد وهو ما يسمى «التمييز الإيجابي». وبرأيه، فإن الحلول «ليست فقط أمنية وقضائية بل تمر بمزيد من الإندماج» للأجانب أو للمتحدرين من أصول أجنبية في المجتمع الفرنسي. وأبعد من ذلك، يسعى سركوزي الى تنشيط التعاون الأوروبي لمكافحة الإرهاب والى تعميم عدد من التدابير مثل المحافظة على المكالمات الهاتفية لمدة عام (بدل ستة اشهر حاليا) وتعميم جوازات السفر غير القابلة للتزوير. ويريد محليا الاحتذاء ببريطانيا لتعميم كاميرات الرقابة في المحطات والأماكن العامة. وقد نجح البريطانيون في تقفي أثر الأربعة بفضل صور كاميرات المترو في لندن. ويدعو سركوزي الأجهزة الأمنية الى استخدام كل ما يوفره القانون الفرنسي ومنها تهمة الانتماء الى جمعية ذات هدف إرهابي لضرب الخلايا التي تحوم حولها الشبهات وهي تبرر إلقاء القبض على المشبوهين والمقربين منهم وقائيا. وكشف سركوزي لـ«ليبراسيون» أن التحقيق مع أعضاء في شبكة إسلامية ألقي القبض على عناصرها في ضاحية رومانفيل القريبة من باريس نهاية 2003 أظهر أنها كانت تنوي القيام باعتداء على برج إيفل ومقرات للشرطة ومخازن تجارية.

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)