خطة واعدة للسوريين الذين يتمنون رؤية عملية تغيير ديمقراطي سلمية

المسؤولون في الإدارة يقولون أن هدفهم هو تغيير السلوك السوري وليس النظام نفسه

هناك شيء ما مألوف في هذا السيناريو: نظام بعثي يتمسك بالسلطة في إحدى الدول العربية المحورية ولديه تاريخ طويل في التسبب بمتاعب مع جيرانه. الناس في هذا البلد تريد التغيير، لكنهم يخافون من الاضطرابات.

وما الذي تفعله الولايات المتحدة حيال ذلك؟ قبل ثلاث سنوات، وعندما كان الأمر يتعلق بالعراق، كان الجواب هو الإعداد لغزو عسكري، لكن كما نلاحظ من خلال العناوين اليومية للصحف فإن هذا الأسلوب لم يكن ناجحاً تماماً.

ولهذا السبب فإن إدارة بوش اليوم تحاول أسلوباً مختلفاً مع سوريا، لكن تصريحات الإدارة لا تعطي فكرة عن ماهية هذا الأسلوب الجديد، لذلك فإنني توجهت خلال الأسابيع القليلة الماضية بالسؤال إلى كبار المسؤولين الأمريكيين بشكل سري لكي أستوضح منهم خطتهم. يمكن القول أن هذه الخطة “قيد التنفيذ”، لكنها خطة واعدة، خاصة بالنسبة للسوريين الذين يتمنون رؤية عملية تغيير ديمقراطي سلمية.

المسؤولون في الإدارة يقولون أن هدفهم هو تغيير السلوك السوري وليس النظام نفسه، وهم يرون أن الرئيس بشار الأسد كان يدعم المتطرفين المسلحين في كل من لبنان والمناطق الفلسطينية ومعظم أرجاء العراق، وهذا التصرف “غير مقبول” على حد تعبير مسؤول مرموق، وعلى الأسد أن يظهر الآن أنه جاد بشأن التغيير، ويضيف: «نحن لا نحاول زعزعة استقرار سوريا، وإنما نحاول أن نغير سلوك النظام».

مسؤول آخر رفيع المستوى في الإدارة يقول: «الأسد بحاجة إلى اتخاذ التغيير كخيار استراتيجي لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها إنقاذ نفسه وإلا سيصبح معزولاً». ويرى المسؤولون أن الحجج القائلة بأن سوريا بعد الأسد ستكون بنفس الفوضى والدموية التي شهدها عراق ما بعد صدام، هذه الحجج غير مقنعة. أما بالنسبة لادعاءات الأسد بأنه يدعم الإصلاح الداخلي فإن هذه الإداعاءات فشلت في التأثير على مسؤولي الإدارة، فهم يقولون أن الضغط الذي يمارسه النظام على المعارضين قد ازداد في الحقيقة خلال الأسابيع الأخيرة.

المحلل السابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية فلينت ليفرت، والذي يعمل حالياً في معهد بروكينغز، يرى أن هدف الإدارة الحقيقي هو “تغيير النظام بطريقة غير مكلفة”. وقد يكون هذا الكلام صحيحاً، إذ من المؤكد أن البعض في الإدارة سوف يفرحون لو أن انقلاباً تمكن من الإطاحة بالأسد.

المشكلة بالنسبة لسياسات الولايات المتحدة هي أنها تنظر بفوقية شديدة إلى مستقبل سوريا، في حين أن هذا هو المجال الذي يجب أن تكون فيه الإدارة أكثر إلحاحاً، وهذا لا يعني التهديد بعمل عسكري أو بانقلاب وإنما يعني التعاون مع العناصر الإصلاحية في سوريا وتشجيع التغيير بطريقة منفتحة أكثر ومباشرة أكثر. السوريون أناس علمانيون ومثقفون، ولكنهم سئموا من فقرهم. إنهم يراقبون العالم كيف يتغير ويريدون أن يكونوا جزءاً من عملية التغيير. أما بالنسبة للأسد فالحقيقة هي أن الإصلاح الداخلي قد يكون السبيل الوحيد أمامه.

في الحقيقة إن الهدف الملائم لسوريا هو عملية تغيير سلمية للنظام، يقودها بشار الأسد نفسه في حال كانت لديه الإرادة السياسية، وإلا سيقودها شخص آخر غيره. لقد عزز القائد السوري سلطته الشهر الماضي خلال مؤتمر حزب البعث الحاكم، وخلال الأيام القليلة التي تلت المؤتمر قام بحركة تطهير شملت معظم أفراد الحرس القديم الذين كانوا يعتبرون حجر عثرة في وجه الإصلاح، وهذا يعني أن الأسد لن يستطيع بعد الآن إلقاء اللوم على أحد آخر في حال الفشل.

الأسلوب الأمريكي الأمثل في هذه الحالة هو الأسلوب الذي أثبت نجاحه في الصرب، جورجيا، أوكرانيا، ولبنان، أي تعهد جماعات المجتمع المدني القوية بالرعاية بحيث تستطيع تدريجياً إطلاق عملية حوار داخلي. وكما حدث في مجتمعات ما بعد الشيوعية، فإن التحدي يكمن في توفير الموارد اللازمة للناشطين الديمقراطيين، مثل البعثات، العضوية، المؤتمرات، المنح وغيرها. يجب أن يتم نسج شبكة التغيير من جميع الاتجاهات: لبنان، تركيا، الأردن، العراق، إسرائيل، أوربا، وأمريكا.

سبب آخر يدعونا لأن نكون طموحين بالنسبة للتغيير في سوريا هو أن هذا الجهد يلقى دعماً دولياً. قرار مجلس الأمن رقم 1559 الذي أجبر القوات السورية على الانسحاب من لبنان يوفر لنا إطاراً قانونياً للرقابة على سوريا. كما أن الإدارة تتمتع بعلاقة شراكة قوية مع فرنسا، والتي بدورها ترغب في إبقاء الضغوط على دمشق. عندما قام وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست-بلازي بزيارة إلى واشنطن الأسبوع الماضي ذكر احتمال أن يقوم الجيش اللبناني بالتحرك إلى الحدود السورية في استعراض قوة هدفه منع سوريا من تهريب عناصر مخابراتها إلى لبنان وتهريب الأسلحة إلى حزب الله، وهي خطوة جيدة.

التاريخ عادة لا يمنح فرصة ثانية لتصحيح الأوضاع، لكن الولايات المتحدة وحلفاءها يملكون اليوم فرصة لدفع نظام بعثي إلى القيام بتحول سلمي باتجاه الإصلاح الديمقراطي، برعاية قرار صادر عن الأمم المتحدة. الولايات المتحدة تحتاج إلى شيء من النجاح في العالم العربي بعد إخفاقها التام في العراق، لهذا فإن خلق انتفاضة إصلاح في سوريا على غرار تلك التي وقعت في لبنان سيكون فكرة جيدة.

مصادر
سيريا نيوز (سوريا)