مشكلة المعارضة في سوريا تكمن في مأزق مزدوج: الاول عدم القدرة على الاستقواء بالخارج من أجل حسم الموقف لمصلحتها والثاني عدم وجود رؤية واضحة بشأن مستقبل الوضع السياسي‚ وعلى الرغم من ان بعض احزاب وقوى المعارضة تحاول التأكيد ان لديها اكثر من برنامج سياسي محدد.

إلا ان الدخول في العمق والتفاصيل يقود الى الاستنتاج بأن هناك ما يشبه الافتقار الى مثل هذه الرؤية.

فعلى سبيل المثال لا الحصر فان معظم احزاب وقوى المعارضة تؤكد «أنهم لا يرغبون باغتصاب السلطة»‚ وأن كل ما يسعون اليه هو تحقيق مجموعة من المطالب المحددة: إلغاء قانون الطوارئ واغلاق ملف السجناء السياسيين‚ واصدار قانون للاحزاب يمهد للانتقال من نظام شمولي الى نظام ديمقراطي تعددي وإلغاء المادة (8) من الدستور التي تنص على ان «حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع»‚ إلا أن هناك من يرى بأنه لا يمكن لفصائل المعارضة ان تصل الى هذه الاهداف من دون امتلاك أدوات السلطة‚ وبالتالي فان الحديث عن مجرد مشاركة في التعددية السياسية هو نوع من الوهم إذ أن مجرد العزف على وتر مبدأ الالغاء لكل ما هو قائم يعني عمليا تغيير الوضع الراهن‚ واستبداله بوضع جديد‚ اي التفكير جديا بامتلاك السلطة كمدخل من أجل اعادة رسم الواقع !

بين الداخل والخارج

وحتى وقت قريب كانت أركان السلطة في سوريا ينظرون الى بعض فصائل المعارضة السورية على انها «وطنية» ويمكن التعامل معها على هذا الأساس‚ حتى ان المؤتمر القُطري العاشر لحزب البعث‚ قد اصدر توصية بهذا المعنى‚ ولكن ثمة تطورات دراماتيكية‚ أدت الى حدوث بعض التغيير‚ ويتمثل الامر باندفاع حتى اطراف في «التجمع الوطني الديمقراطي المعارض» الى الدفاع عن «الاخوان المسلمين» والتأكيد بأنهم قد غيروا من طريقة تفكيرهم واستراتيجيتهم السابقة‚ وأنهم اصبحوا يقبلون بالتعددية السياسية‚ وذلك بعد أن نبذوا العنف وباتوا اقرب الى الاحزاب العلمانية نفسها.
فقد اثارت هذه المواقف والطروحات حالة من القلق لدى السلطات السورية‚ خاصة أنه سبق لسوريا ان خاضت تجربة مريرة جدا مع «الاخوان المسلمين» في فترة الثمانينيات تحديدا وهم في دمشق‚ لا يريدون استحضار ذلك الماضي‚ بكل ما فيه من سلبيات ونقاط سوداء الامر الذي يدفع بالقيادة الى ابداء الكثير من التحفظ‚ ان لم يكن رفض هذا المنطق الذي تطرحه المعارضة الداخلية‚ اذ ان ذلك يشكل ما يشبه «الخط الاحمر» بالنسبة للسلطة وهو ما يفسر ان التوصية التي صدرت عن المؤتمر القُطري العاشر والداعية الى العمل على اصدار قانون للاحزاب اشترطت عدم السماح بتأسيس اي أحزاب وفق معايير دينية وعرقية‚ بهدف الحفاظ على وحدة المجتمع السوري‚ وترسيخ معالم الوحدة الوطنية.

السؤال المأزق !

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه على شكل مأزق هو: هل ثمة اي اتصال او تنسيق بين احزاب وقوى المعارضة السورية في الداخل وفصائل المعارضة في الخارج‚ خاصة المعارضة المقيمة في الولايات المتحدة والتي لم تبلور هويتها السياسية حتى الآن؟ من الناحية المباشرة‚ فان قادة المعارضة في الداخل يؤكدون عدم وجود اي اتصال أو تنسيق‚ لا بل ان المحامي حسن عبدالعظيم الناطق الرسمي باسم التجمع الوطني الديمقراطي المعارض‚ والذي يضم خمسة احزاب يرى أنه لا توجد معارضة في الخارج بل مجموعة اشخاص يحاولون ركوب الموجة‚ والتحالف مع الادارة الاميركية لممارسة الضغوط على سوريا‚ لافتا الى ان هؤلاء لا يمتلكون اي حضور في الداخل السوري‚ لا بل انهم حتى غير معروفين لدى معظم فئات الشعب السوري‚ ويضيف انهم كمعارضة وطنية يرفضون اي استقواء بالخارج‚ لأن «أمن الوطن هو خط احمر» بالنسبة لهم‚ بالرغم من ان لديهم مطالب محددة‚ وهم مسخرون في العمل لتحقيقها كلها !

وكان نحو خمسة اشخاص سوريين معارضين قد عقدوا مؤخرا مؤتمرا لهم في أحد فنادق العاصمة الاميركية واشنطن بحضور أمير الظلام ــ ريتشارد بيرل ــ والذي يوصف بأنه مهندس الغزو الاميركي للعراق‚ وقدموا انفسهم الى وسائل الاعلام على انهم يمثلون خمسة احزاب سورية معارضة‚ وهو ما اثار تساؤلات مشروعة حول علاقة هؤلاء بالداخل‚ خاصة أن هناك من انبرى للدفاع عن هؤلاء‚ وحتى تبرير وجودهم في الولايات المتحدة وكأن هناك ما يشبه الانقلاب في موقف المعارضة نفسها‚ واستنادا الى تصريحات فريد الغادري رئيس ما يسمى حزب الاصلاح السوري‚ فان ثمة اتصالات ما بين المعارضة في الخارج وقوى المعارضة داخل سوريا !

ولكن مثل هذه المسألة لم تحسم بعد لأن اكثر من شخصية معارضة في الداخل سارعت الى نفي ما قاله الغادري جملة وتفصيلا‚

خلافات وتناقضات

وثمة خلافات وتناقضات عميقة بين صفوف المعارضة في الداخل والخارج‚ ويبرر ذلك جليا بين الاحزاب السياسية العربية والكردية حيث تحاول احزاب المعارضة الكردية فرض «مطالب قومية» على حركة المعارضة في الداخل‚ وهو ما اثار حفيظتها ودفعها بالتالي الى رفض تكرار هذه المطالب في البيانات السياسية التي تصدر عن تجمع هذه الاحزاب‚ وعلى الرغم من ان «المعارضين» يؤيدون منح الاكراد في كل من الحسكة والقامشلي حق الجنسية السورية والمواطنة‚ إلا انهم يرفضون ــ في الوقت نفسه ــ اي نزعة نحو الانفصال او تثبيت حالة عرقية معينة داخل سوريا.

وعلى هذه القاعدة‚ فان احزاب «التجمع الوطني الديمقراطي المعارض» ترفض الاعتراف بوجود «مسألة كردية» في سوريا‚ وتصر على ان سقف المطالب هو منح الاكراد حق المواطنة فقط‚وما عدا ذلك يصبح امرا مختلفا ! وهناك ايضا اختلافات في الرؤى السياسية بين فصائل وقوى المعارضة‚ خاصة بين «الاخوان المسلمين» والاحزاب القومية والماركسية‚ من منطلق ان ايديولوجية كل طرف هي في تناقض مع ايديولوجية الطرف الآخر‚ بالرغم من وجود نقاط تلاقي بين الجميع‚ والعامل المشترك هو السعي لاحداث تغيير ما في الوضع السوري ولكن بالوسائل السلمية‚ فقد عبر معظم قادة احزاب المعارضة عن رفضهم اللجوء الى القوة او أي وسائل خارج الاطار السلمي‚ من اجل تحقيق أهدافهم.

بيد أن اصرار تيارات المعارضة على الدفاع عن «الاخوان المسلمين» والسعي للتحالف معهم يثير القلق لدى الحكومة السورية التي ترى في هذا التطور نوعا من «ناقوس الخطر» الذي يحمل معه الكثير من المؤشرات غير العادية‚ ولربما أدى الموقف الى حدوث تفاعلات وتداعيات‚ قد تقع المواجهة بين السلطة والمعارضة في مرحلة جديدة‚ ولكن على قاعدة الحفاظ على الوحدة الوطنية.

وبالمحصلة‚ فان مجرد مطالبة المعارضة في الخارج برفع «الغطاء الاميركي» عن الحكم في سوريا‚ يشير بوضوح الى وجود مأزق كبير يواجه هؤلاء‚ في ضوء اكثر من تقييم وتحليل يؤكدان بأن الولايات المتحدة غير قادرة على مهاجمة سوريا كما حدث في العراق‚ خاصة أنها تواجه مأزقا كبيرا على الساحة العراقية‚ وامتدت التداعيات والتأثيرات الى الداخل الاميركي.

مصادر
الوطن (قطر)