عندما ثارت الجموع ضد الوجود السوري في لبنان ظهرت الصورة الأولى لعمليات نسف التاريخ .. وربما يستطيع أي صحفي أو محلل سياسي أو حتى رجل عادي تقديم مبررات لا تنتهي لهذه “الثورة” التي تجاوزت مطالبها، وأصبحت تعتبر نفسها“مثالا” للمنطقة.
ما حدث خلال فورة الغضب “المنظم” بعد اغتيال رفيق الحريري استند أساسا لحالة مستجدة في المنطقة، لذلك فهو تجاوز الواقع الفعلي لطبيعة لبنان وللمصالح التفاعلية بين سورية ولبنان .. وربما أفرز الحقد حالات ليست استثنائية، لأنها شكلت عصب المظاهرات، ثم بدأت بقتل العمال، وانتهت بمظهر تراجيدي عندما قامت مجموعة بكسر جرة مع خروج آخر جندي سوري.

هذه الصورة اعتبرت أن الوجود السوري بلاء اللبنانيين .. كيف!! إنه السؤال العالق والذي يحتاج بالفعل إلى قراءة لتاريخ الدخول السوري، أكثر من حاجته لتعداد ممارسات الأجهزة .. لأن العلاقات السورية – اللبنانية بدت خلال فورة الغضب "المنظم" وكأنها حالة استثنائية، بينما الشكل الطبيعي هو حالة إطلاقية لقدرة لبنان على تجاوز محيطه الجغرافي.

واليوم ربما تتكرر الواقعة بشكل معكوس، فرغم التأكيد أن لا تسييس لمشاكل الحدود، لكن الواضح أن الحكومة السورية ألغت امتيازات العلاقة مع لبنان .. والخاسر الوحيد في الحالتين هو هذه العلاقة البنيوية والمظلومة بين بلدين يحتجان لبعضهما بغض النظر عن طبيعة الإجراءات السياسية.

فورة الغضب “المنظم” أشعلت حالة من التوتر في الشارع السوري، وما يحدث اليوم على الحدود السورية – اللبنانية يزيد هذا التوتر .. والمسألة بكاملها ما تزال قيد التصريحات على الأخص على الجانب اللبناني، مع اتهامات متكررة عند أي حادث وكأن اللازمة “السورية” سترافق التاريخ الحديث للخطاب السياسي اللبناني.

رغم هذا الواقع بصوره المتكررة لكن هذه العلاقة لا يمكن أن يقوم بها السياسيون، أو مناضلو التصريحات ضد الأجهزة، فهي بأبعادها الاجتماعية تحتاج بالفعل لأن يحتضنها التيار الاجتماعي بكل ما يعنيه الكلمة من معنى ... فالوجود السوري – اللبناني أغلى من النسف المتتالي لتاريخ البلدين، وأغلى من الجلوس للتحسر على “معاهدة الأخوة”...