إن دعوة الحاخامين الرئيسيين السابقين مردخاي الياهو وابراهام شبيرا، الجنود لرفض أوامر الجيش باغلاق الطرق المؤدية الى قطاع غزة أمام معارضي فك الارتباط، ليس فتوى فقهية، انها فعل واضح من التحريض والتمرد السياسي، يدفع بكثير من الجنود الى مخالفة قوانين الدولة..

الحاخامات المحرضون يجرون مقارنة باطلة بين فك الارتباط وبين تدنيس حرمة يوم السبت، وهم بذلك يضللون الجمهور كله ويحطمون بأيديهم الحلف القائم بين الصهيونية الدينية وقيادتها وبين الدولة.
ولكن ثمة في الحقيقة حاخامات آخرين، مثل رئيس المدرسة الدينية "هار عتسيون" الحاخام اهرون ليكنتشتاين، يعتقدون ان العكس هو الصحيح وأنه من واجب كل جندي، متدين ومؤمن بقداسة ارض اسرائيل، الانصياع لأوامر قادة الجيش وقرارات الحكومة والكنيست، في المقابل سيدعي طبعا حاخامات اليمين ان هذه الفتوى سياسية. واذا كان الامر كذلك فان فتواهم سياسية اضعافاً مضاعفة.
يتحقق الآن أمام أعين الجمهور في اسرائيل أخطر السيناريوات الذي يمزق الجلد الرقيق للديموقراطية والتضامن الاجتماعي المدني. فالتمرد يهدد بأن يجر خلفه افرادا ومجموعات من داخل الجيش. وهذه الظاهرة خطيرة بشكل خاص في الوحدات التابعة للمدارس الدينية. وأمس الأول اضطر الجيش الاسرائيلي الى تفكيك فصيل تفشي فيه الوباء، وثمة خشية كبيرة من أنه مع تفاقم حدة المواجهة عند ابواب غزة قد ينجح المحرضون في ازاحة جنود آخرين.
لقد تأسست الحاخامية الرئيسية كذراع للدولة. وتم تعريفها على انها مؤسسة تخضع في نشاطها للهيئة الديموقراطية المنتخبة، وتمثيل وخدمة جميع مواطني اسرائيل اليهود. وفي هذا الاطار كان يتعين على الحاخامات التخفيف من حدة الصراع البنيوي بين الدولة والدين، والتعبير في مقابله عن التطلع الدائم للتوليف بين الطابع الرسمي للدولة وبين التراث الديني. وحتى السنوات الاخيرة حافظت الحاخامية بشكل عام على هذه المبادئ في ظل منح قداسة، مبالغ فيها احيانا، للدولة والجيش.

لقد طلبت الصهيونية الدينية الاندماج في كل مجالات الحياة والمجتمع. وكان الجيش الاسرائيلي، الذي يعتبر خضوعه وانصياعه لأوامر السلطة التنفيذية أحد أسس الديموقراطية، هدفاً مهماً لتحقيق هذا الاندماج. ويتباهون في الصهيونية الدينية بالاندماج الناجح لمعتمري القبعات الدينية المطرزة في الجيش.

بيد انه من داخل تلك الصهيونية الدينية الطامحة للاندماج ظهرت حركة “غوش ايمونيم” التي عملت بواسطة العنف لتحطيم المنظومة السياسية الديموقراطية. فجدول اعمالها المسيحاني العنيف يثمر الآن ثمارا غير ناضجة على شاكلة ظاهرة الرفض التي تنبئ بكارثة على صعيد الجيش.

على رأس هذا الجمهور الذي يقود الجيش الاسرائيلي والمجتمع الاسرائيلي نحو الهاوية، يقف بافتخار الحاخامان المحرضان، بينما يكرر دعواتهم مئات الحاخامات من موظفي المؤسسة. وثمة حاخام رئيسي آخر سابق يحظى بتأثير كبير، وهو الحاخام عوفاديا يوسف، يتكلم بتردد. وآخر، هو الحاخام يسرائيل لاو، الذي يتطلع نحو بيت الرئيس، يملأ فمه ماء. هؤلاء ايضا سيحاسبون جراء تفكك الحلف بين الصهيونية الدينية وبين الدولة. والأخطر من ذلك هو انهم مذنبون في حالة الوهن والضعف الكبيرة والاكثر مأساوية التي ستصيب القاعدة التي يقف عليها البيت القومي.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)