غريب أمرنا إذ نفتخر بحقائق الجغرافيا الطبيعيّة، ومنها أنّ لبنان يقع في منطقةِ تَقاطُعِ ثلاث قارّات ممّا هيّأه لدور مرموق في حركة التاريخ الحضاريّ، ولكنّ بعضنا يرفض الإعتراف بأنّ، ونتيجة موقعه، وإذًا وجوده، يستحيل أن تكون أحداثه منفصلة عن محيطه، تأثّرًا وتأثيرًا. وقرار دوليّ بحجم القرار 1559 في مرحلة إعادة تشكيل الشرق الأوسط الأميركيّ للقرن الحالي، وبعد أن استنفد مشرق فرنسا – بريطانيا غايته في القرن الماضي، هو أكبر من أن يكون بلا تأثير، خاصّة وأنّه يطال عناصر المحيط الطبيعيّ للبنان، شامًا وفلسطينًا، من مدخل الوجود الشاميّ العسكريّ والمخيّمات.
منذ لحظة الإختمار، والـ1559 يتكوّن قرار حربٍ إستتباعًا لقرارات ما بعد هوليوود – الجريمة في 11 أيلول 2001، وعلى نسق قرارات التحضير لغزو العراق، لا قرار تفاوضٍ يُضاف إلى تلك المتعلّقة بالمسألة الفلسطينيّة والناتجة عنها، من 194 إلى 242 إلى 338 إلى 425 إلى آخره! أي قرار للتنفيذ المباشر على أرض المعركة، لا قرارًا يفنِّد المسائل المتشابكة ويصيغها باللغة القانونيّة الدّوليّة كي تُطرح كباقة واحدة حين يحين مجدَّدًا موعد التفاوض على مائدة دوليّة، رغم أفول فرص مثل تلك المائدة. فإذا كان الـ1559 في جانب منه هو قرارَ استعادةِ هيبةٍ فرنسيّ، وذلك كلّ ما ستجني فرنسا منه، فإنّه قرارُ حربٍ أميركيّ بامتياز وبمفعولٍ إسرائيليّ خطير يُشَرعِن لحرب ضدّ الشّام ولبنان، لم تحصل على مثله أميركا في حربها الطاحنة والمستمرّة ضدّ العراق.

وليكون قرارُ الحرب قرارًا فاعلاً لا قرارًا مضافًا إليه، وقرارًا ذا نكهة دمويّة ملحقًا بالعراق القيدِ التقسيم على نار متأجّجة، لا قرارًا طيّ الملفّات تابعًا لفلسطين النازفة مدًّا وجزرًا وتفتيتًا تحت المشرط اليهوديّ وجداره؛ ليكون قرارًا للإستهلاك المباشر لا قرارًا للتخزين، إستدعى وضعُه موضع التنفيذ تسريعًا في الأحداث، وتكثيفًا.
إذا طاب مستنقع لبنان الماليّ – السياسيّ – الأمنيّ الفاسد للطبقة الماليّة – السّياسيّة – الأمنيّة اللبنانيّة – الشاميّة الموالية المعروفة الفاسدة “وفي صميمها شقّها المعارض بشراسة ما بعد 1559”، وهو قد طاب ولَذّ ولَذّ وطاب على مدى 15 سنة، فإنّ خضّه هو طليعة التبديل الحتميّ للخارطة السلطويّة المسيطرة، وهو آذان انتهاء الطائف بنسخته الشاميّة، وابتدائه بنسخته الأميركيّة أي 1559، وهو إعلان سحب الغطاء الأميركيّ والأوروبّي عن وجود البعث العسكريّ في لبنان.

لذا، ومع تعالي التلاسن السّياسيّ الداخليّ من فوق الأسطح ووضوح المواقف والوجوه والأسماء المتراشقة وإشارات البِنان، دوّى إنفجارٌ أوّل مفاجئًا أهل المستنقع جميعًا، طحالب وضفادع وحرّاس! ومعلنًا إشارة التحضّر للـ1559. ثمّ دوّى الإنفجار الزلزال، مطلِقًا صفرة البدايةِ العمليّة لتنفيذ القرار... وكرّت السبحة.
إنّ السِّمَة الأساسيّة لِما يجري في لبنان منذ محاولة إغتيال النائب مروان حماده هي البَرمجة المُتقَنة. الأشخاص المستهدفون؛ توقيت التفجيرات؛ أماكن التفجيرات؛ الفترات الزمنيّة ما بينها؛ أسلوبها وتقنيّاتها؛ والأهمّ من كلّ ذلك، ما يجري تحقيقه من تبديلٍ في موازين القوى والتموضع السّياسيّ بين كل تفجير وتفجير والإتّجاه الذي تسير به الأمور، بما له علاقة بالتحضيرات النفسيّة والموضوعيّة اللازمة لاستكمال إعادة هيكلة الشرق الأوسط. بَرمجة متقنة، تحصد النتائج الإرهابيّة المتوخّاة كلّها، من حَقْنٍ وتسميم وضغط وإشعال، حتّى ولو نجا النائب حماده والوزير المرّ بحياتهما من إتقانها.

... وعادة ما تكون البَرمجة والإتقان من سِمات المهاجم لا المتراجع؛ المخطِّط لا المرتبِك؛ العارف لا المتفاجئ؛ المُبادِر لا الساعي إلى التقاط الأنفاس!
إذا كان أسلوب المتفجّرات والفترات الزمنيّة والأماكن والتوقيت واضحةَ المعالمِ هندسيَّة الترتيب، فإنّ ما يجمع الشخصيّات المستهدفة في المرحلة الأولى من الحرب، وإن لم يكن بديهيًّا، ليس بِلُغْز. فالشخصيّات:
أوّلاً، تتميّز بالقدرة على الحوار وتُعتبَر مؤهّلة بطبيعتها الذاتيّة لإيجاد قواسم مشتركة بين متعارضين؛

ثانيًا، محلّيًّا، مناوئة لسياسة النظام الشّاميّ في لبنان، وإن بدرجات متفاوتة وأوقات متباينة وأهداف مختلفة.

ثالثًا، دوليًّا، متآلفة مع المقاربة الفرنسيّة الحواريّة للمشرق
ومسائله من العراق إلى فلسطين، ومناوئة للنهج العسكريّ الأميركيّ.

رابعًا، تتمتّع بشبكة علاقات محلّيّة وعربيّة ودوليّة كلّ في مجاله، ويمكن توظيف العلاقات للإفادة منها داخليًّا؛

خامسًا، هي النواة أو الركيزة في حلقات فعلها ونشاطها، وهي برغم مواقفها الحادّة أحيانًا والصريحة دائمًا، الأكثر عقلانيّة في هذه الحلقات؛

سادسًا، ليس فيها مَن يمكن اتّهامه بالتعامل مع إسرائيل أو بالتسامح أو بالتغاضي، بل جُلّها في الموقع القوميّ والصّراعيّ المضاد. أمّا الرئيس الحريريّ، ومنذ التبدّلات التي نتجت عن الإجتياح الإسرائيليّ عام 1982 وإرساء المناقصة الداخليّة – الإقليميّة – الدوليّة على اتّفاق الطائف، ومن ثمّ تهاوي دور المملكة العربيّة السعوديّة، بات ينطبق عليه ما ينطبق على النظام العربيّ السّياسيّ برمّته، لا أقلّ، ولكن ليس بأكثر، أَصَفَحَ في مؤتمر القمّة العربيّة في فينيسيا بيروت أم صافَح في مأتم البابا في روما!

سابعًا والأهمّ، تُحظى بصدقيّة مكتَسَبة بالممارسة السّياسيّة “الحريريّ - حماده – المرّ” أو بالنضال والسيرة “حاوي – قصير” لجهة عدم الطعن بالمقاومة أو بالمخيّمات! وتاليًا، هي المؤهّلة لأن تلعب أدوارًا في إطفاء ما قد يلتهب داخليًّا من ألغام 1559... قبل أن يشتعل.
شخصيّات، هي في العالم الإفتراضيّ الثنائيّ البسيط الموالاةُ – معارضة، ممَّن يسهل اتّهام نظام الشام بتصفيتها انتقامًا صبيانيًّا، ولكنّها أيضًا، في العالم الحقيقيّ المتعدّد الأبعاد، ممّن يسهل اتّهام أميركا بتصفيتها لتنضيج الأرضيّة تمهيدًا لفرض 1559 بالقوّة، أي إمّا بقوّات دوليّة مباشرة، أو بحرب تقسيم طائفيّة تستدعي تدخّلاً أميركيًّا أو أوروبّيًّا أو إسرائيليًّا، أو كيمياء تلك.

... وشخصيّات، يمكن أن تكون ضحيّة خطأ بعثيّ عسكريّ آخر من سلسلة الأخطاء المتراكمة، إنتهاء بالتمديد للرئيس لحّود، ولكنّها أيضًا يمكن أن تكون إصابات مباشرة في تخطيط سوبردولة بـ15 جهاز أمن منضوية ضمن المخابرات القوميّة National Intelligence وعلى رأسها قيصر Tsar (حاليًّا جون نيغروبونتي John Negroponte) وبميزانيّة 40 مليار دولار سنويًّا، وبمئات آلاف العملاء والموظّفين، وبأجهزة تنصّت ومراقبة تملأ الفضاءَ أقمارًا اصطناعيّة وطائراتٍ والمحيطاتِ بوارجَ وسفنًا والأرضَ مواقعَ وتقنّيّاتٍ يمكنها رصد وملاحقة أيّ جسم بحجم كرة تنيس في أيّ مكان على وجه الكرة الأرضية، وبأنظمة تجسّس عالمية ليس أقلّها نظام إيشيلون Echelon المتخصّص بالتنصّت على الحكومات والمنظّمات والأحزاب وعالم الأعمال، والذي كانت من فضائحه التنصّت حتّى على... الإتّحاد الأوروبّي وعلى أسعار شركات أوروبّيّة لمناقصات عالميّة!

... وشخصيّات، يمكن أن تكون ضحيّة نظام عسكريّ طائفيّ أقلّويّ في الشام يتراجع القهقريّ مبلبلاً مترنّحًا إذ يضيق الخناق «والإنسحاب الضاغط للقوّات الشاميّة من لبنان والإنهيار السريع الذي يشبه إنكفاء القوّات العراقيّة من الأطراف إلى محيط بغداد أثناء الغزو الأميركيّ – البريطانيّ، تكشّف عن أنّ الآتي من فراغ وتمزّق وضعف لن يكون بأقلّ من تلك في العراق»، ولكنّ الشخصيّات أيضًا يمكن أن تكون ضحيّة نظام أميركيّ راعي تلك الأنظمة العسكريّة الأقلّويّة والأكثرويّة الطائفيّة أو العشائريّة منذ نصف قرن، وحاميها ومبتزّها حتّى الرمق الأخير والبرميل الأخير والوريد الأخير في الشام والعراق والأردن والسعوديّة وغيرها؛ نظام أميركيّ يهاجم في العالم كلّه وبإيقاع متصاعد منذ هوليوود الجريمة، ويتقدّم ويضرب بإحكام لتوليد الظروف الكفيلة بتحقيق غاياته في السيطرة على ما تركه غياب الإتّحاد السوفياتيّ، وعلى ما يضمن التفوّق الصناعيّ والتجاريّ بوجه أوروبّا وقوى آسيا الصاعدة في مثلّث الصين - اليابان – الهند.

من عجائب السّياسة والأمن، أنّ أعداء النهج الأميركيّ - الإسرائيليّ في المشرق، هم أنفسهم أعداء نهج البعث العسكريّ الشاميّ.
ومن عجائبهما، أنّ المسار ضدّ أميركا يمرّ حتمًا بنظام البعث العسكريّ؛ يصطدم أوّلاً به.

ومن عجائبهما، أنّ الذين يقعون في دائرة رصد نظام البعث العسكريّ، هم أنفسهم الذين يقعون في نطاق فوّهة النظام الأميركيّ.
ومن عجائبها أنّ فيهما من الرياضيّات والطفولة. ففي الرياضيّات الهندسيّة، أنّ ثلاث نقاط كافية لتحديد المستوى Plane، وفي كتب الأطفال أنّ وَصْل بعض نقاط كافٍ للتعرُّف إلى الرسم.
في لبنان، حتّى الآن، عشر نقاط تفجيريّة حمراء باتت بلا شكّ كافية لكشف الرسم والمستوى والمَستور معًا!

قام الكيان الصهيونيّ بتضافر عوامل عديدة، أوّلها فكرة تأسيس القوميّة على الدِّين، لتجميع أقلّيّات يهوديّة من العالم في أرضنا، ولكنّه قام أيضًا بفعل وحشيّة العصابات اليهوديّة المسلّحة. وليست الميليشيات الإسلامويّة المسلّحة المستهدفة المدنيّين ذبحًا ومجازر في العراق إلاّ نسخة طبق الأصل عن الهاغانا والأرغون وغيرها من عصابات اليهود، ومن صنع الفبركة ذاتها، في لعبة موت تهدف إلى تفتيت العراق والمنطقة برمّتها إلى فسيفساء أقلّيات وأكثريّات مذهبيّة وطائفيّة وعرقيّة ضعيفة عزلاء من السلاح النوويّ والإستراتيجيّ، وخاضعة كلّيًّا للكيان الدِّينيّ اليهوديّ المدجّج نوويًّا.

أمّا وقد انطلق تنفيذ الـ1559 من ساحة السان جورج، فليس ما يمنع أبو مصعب السّوريّ، والذي بدأ نجمه بالصعود، أن ينتقل إلى دمشق تاركًا بغداد لسفّاحها أبو مصعب الزرقاوي، حالَما يُصدر مكتب أبو المصاعب نيغروبونتي أوامره!

إنّ تداول السلطة في بلادنا بين أكثريّات وأقلّيّات تتذابح، هاوية حلزونيّة لا أكثر: هذه تحكم بمدّها وتلك بخوفها، هذه بالإنتشار الأفقي وتلك بالإنتقام، هذه بالشريعة وتلك بالشعارات، وكلاهما بالنار والأصفاد.

كان يمكن لنظام البعث “الحاكم في الشام منذ 1963 وبرضى أميركي، وفي لبنان جزئيًّا منذ 1976 وكلّيًّا منذ 1990 وفي الحالتين بمباركة أميركيّة وقبول إسرائيل”يّ أن يكسر الحلقة الحلزونيّة. فوحده القويّ يمكنه أن يغيّر، والمنتصر، عبر تقديم المثال العمليّ وقدوة الممارسة في دولة مؤسّساتيّة علمانيّة ديمقراطيّة عادلة حديثة. لكنّ نظام البعث، القويّ بمعنى السلطة، أمعن بسياساته الحلزونيّة، خاصّة منذ الحركة التصحيحيّة، مسلّطًا الأقلّيّات الطائفيّة في الشام وفي طليعتها العلويّة بمواجهة الأكثريّات الطائفيّة، ظنًّا أنّ التسلّط يحمي. ومثل ذلك كانت إدارته للسّياسة في لبنان، مع خصوصيّة طوائف لبنان وانعكاس الأدوار. وهو بذلك لم يهيّئ إلاّ لطاحونة جديدة آتية كتلك التي هيّأ لها البعث العسكريّ في العراق، قد تكون أولى ضحاياها الطائفة العلويّة إيّاها! فكأنّما الرضى الأميركيّ عن البعث العسكريّ طوال هذي السنين كان استثمارًا ليس فقط قصير الأمد يأتي بالمنافع الآنيّة ويبقي المنطقة في جلاّدة التاريخ، بل والأهمّ طويل الأمد يفتّت البيئة الإجتماعيّة، ينهكها، يرميها في أسِيد القمع، ينفيها خارج مدار العلم والحداثة، يفرّغ أحزابها العلمانيّة الفكريّة الأخلاقيّة، يؤجّج الأحقاد الطائفيّة والكيانيّة، يُعلي الفساد ويمحق الصلاح، حتّى متى تغيّرت الرياح الدوليّة، وقد تغيّرت بعد زوال الإتّحاد السوفياتيّ، كانت البيئة الإجتماعيّة معجونة طيّعة جاهزة بانتظار العجّان الأميركيّ!

... ومن عجائب السّياسة والأمن أنْ!
أمّا دلائل ارتخاء وطن الطوائف العجينيّ، فمنها، أنْ خافَت الحزبيّة الشيعيّة في لبنان من الحزبيّة المسيحيّة لجهة الموقف المعلَن مّما تبقّى من 1559، ولكنّها خافت أكثر من المضمَر عند الحزبيّتين السّنّيّة والدرزيّة، فقدّم حزب الله هديّة الأكثريّة النيابيّة لتحالف الحزبيّتين السّنّيّة والدرزيّة على طبق من رجاء وأمنيات، لعلّه بها يسلّف ما قد يعود عليه بالرحمة داخليًّا، أو بما يقنع شمعون بيريز، على عكس ما فعل عام 1982، بعدم فرض نفسه مرّة جديدة في باحة المختارة!
والهديّة لم تكن ممكنة من دون تكليف شرعيّ دِينيّ أصدره السيّد حسن نصرالله إلى أتباعه؛ تكليف هو من أسوأ مظاهر استغلال الدِّين في السياسة؛ تكليف هو بالمعنى النفسيّ شبيه عصا المطاوع في المملكة السعوديّة، فكان من بعض نتائجه صبّ أصوات الأتباع المؤمنين والمؤمنات الشيعة في دائرة بعبدا – عاليه إلى جانب لائحة تحالف جنبلاط – القوّات اللبنانيّة.

هكذا، وبقرار سياسيّ بَشَريّ، وضع السّيدُ اللبنانيّين أمام حقائق من نوع جديد: فإذًا... الله ضدّ الدكتور بيار دكّاش؟!
فجر 24 ك2 من عام 1965، تمّ القبض في دمشق على كمال أمين تابت، رجل الأعمال الشّاميّ العائد من هجرة عائليّة في الأرجنتين، فاتن النساء، منظّم السهرات، لولب الطبقة الثريّة، مُسدي النصائح العسكريّة، ركن الحلقة السّياسيّة – العسكريّة العليا، متلبّسًا إرسال رسائل مشفّرة إلى إسرائيل، لتنكشف من تحت القناع – الواجهة شخصيّته الحقيقيّة: إيلي كوهين الجاسوس اليهوديّ الإسرائيليّ، كاشف مخطّط تحويل مياه الأردن عن أراضي فلسطين المحتلّة، فاضح المواقع العسكريّة الشاميّة في الجولان، مخترق دوائر القرار في النظام البعثيّ الشاميّ إلى درجة أنّ اسمه طُرح لمنصب وزير دفاع في عهد رئاسة وزراء صديقه أمين الحافظ!

إنّ عالم الجاسوسيّة خطير، ومعقَّدٌ عالم المخابرات. ولبنان منذ 1990 وحتّى 2005، كما الشام منذ ما قبل، وقع تحت أمرة المخابرات: لم تكن سياسة بين الشام ولبنان، ولا ثقافة، ولا إقتصاد، ولا فنّ، ولا أيّ طيف من قوس قزح الإجتماع. ولم تكن كلّ ذلك بين الشام... والشام! فقط مخابرات.
ونتيجة الإدارة المخابراتيّة للعلاقة، وبعد 15 سنة من مدى مفتوح وفرصة نادرة لإرساء القواعد الإجتماعيّة – السّياسيّة – الإقتصاديّة الكفيلة بإعادة وصل الوريد الذي قطعه سايكس وبيكو، هتف مليونا لبنانيّ ضدّ الشام من دون تمييز بين نظام وشعب، ما إن أرخى الـ1559 بظلاله على الساحات، ولم يَحُلْ إلاّ التكليف الدِّينيّ والحزبيّ، أو القرف من فاسديّ المعارضة اللبنانيّة المستجدّة، دون هتاف المليونَين الباقيين!

عندما تكون الأخطاء بهذا الإصرار، بهذا التنظيم، وبهذا التزامن Synchronization مع الإدارة الأميركيّة، فهل هي حقًّا أخطاء عشوائيّة وسوءتقديريّة؟
مَن كان يُسدي النصائح، ويكتب التقارير، ويأخذ القرارات؟ مَن هيّأ لاستسهال اتّهام الشام، فيما الإنتحار يعلوها بدءًا من لبنان؟
إنّ عالم الـNational Intelligence أخطبوطبوطبوط...!
فكَم كوهين... وأين؟