لن نخوض اليوم في موضوع الحكومة الجديدة التي نجح قبل يومين الرئيس فؤاد السنيورة في تأليفها “بالاتفاق”"مع رئيس الجمهورية اميل لحود. فهي لا تزال في اول عمرها وعملها المباشر الآن هو صوغ البيان الوزاري ثم التقدم من مجلس النواب لنيل ثقته على اساسه. ولن نخوض اليوم ايضا في موضوع الزوبعة التي اثارها رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري عبر المقابلة التي نشرتها له جريدة “الفيغارو” الفرنسية صباح امس والتي تحدث فيها عن اشتباه ما بواحد من العشرات الذين حقق وفريقه الكبير معهم، فالوقت سيكون متاحا لذلك بعد اسابيع وتحديدا عندما تصدر اللجنة تقريرها في اواخر آب المقبل كما هو متوقع الا اذا قضى التعمق في التحقيق تمديد مدته ثلاثة اشهر اخرى. بل سنخوض وان بشيء من الاختصار في ثلاث قضايا اثيرت في الماضي القريب وبعضها لا يزال يثار حاليا وقد يبقى يثار مدة طويلة وذلك نظرا الى انعكاساتها السلبية على البلاد. والقضايا الثلاث هي الآتية:

- اغلاق سوريا شبه التام للحدود البرية للبنان معها في وجه شاحنات النقل البري منه اليها وعبرها الى عدد من الدول العربية. وقد تسبب هذا الموقف بضرر كبير للبنان ولاقتصاده. ولا بد أن يأتي يوم نتمنى ان يكون قريبا يشهد عودة عن الاقفال بعد زوال اسبابه الحقيقية وهي قطعا ليست المعلنة رسميا. ما نود ان نلفت اليه هنا هو امور ثلاثة. الاول، عدم قيام رئيس الحكومة المستقيلة الصديق نجيب ميقاتي بالتحركات اللازمة لحل مشكلة الحدود ليس انطلاقا من موقعه الرسمي فحسب ومسؤوليته الوطنية بل ايضا من علاقة الصداقة الشخصية التي تربطه وعائلته بالرئيس السوري بشار الاسد والتي كان لها دور مهم في سلوكه درب السياسة اللبنانية بل والنجاح فيها. فهو كان عليه ان يضع ثقله كصديق ومسؤول ومؤمن بالعلاقة المميزة بين بلاده وسوريا على الاقل لوقف المشكلة او لارجائها ريثما يتم البحث فيها وفي خلفياتها المتنوعة. ولا تعفيه استقالة حكومته من هذه المسؤولية الا اذا كان غير واثق بقدرته على التأثير في هذا الامر او بالحجم الكبير للخلفيات التي تقف خلفه. والثاني، عدم اقدام رئيس الجمهورية اميل لحود “اجرى اخيرا اتصالا هاتفيا بنظيره السوري بشار الاسد” على كل ما يستطيع من اجل حل مشكلة الحدود وهو الذي تعتبره سوريا حليفها الاول في لبنان او احد ابرز حلفائها والذي يعتبره كذلك اللبنانيون على اختلافهم. طبعا قد يقول البعض انه بذل كل ما في وسعه لكنه لم ينجح. وقد يكون هذا صحيحا. لكنه في حال صحته يعني ان “مونته” السورية ليست كبيرة. اما الثالث، فهو دعوة بعض اكثر الحلفاء اخلاصا لسوريا ووثوقا بها ومنها “السلطة الجديدة” واللبنانيين الى الطلب منه التدخل لدى سوريا لحل مشكلة الحدود مبررا احجامه عن ذلك بعدم حصوله على طلب من هذا النوع. والسؤال الذي يثيره هذا الموقف هو: منذ متى تحتاج القيادات السياسية الوطنية الى طلب المسارعة الى حل مشكلة او مشكلات ذات انعكاسات سلبية على البلاد ككل؟ والسؤال الاخر الذي يثيره الموقف نفسه هو: هل ان من ينتظرون دعوتهم للتدخل لدى الحليف السوري لحل المشكلة المذكورة يحاولون منفردين او بالتنسيق معها الافادة من وضع صعب لاستعادة وضع معقول لهم داخل التركيبة السياسية اللبنانية وخصوصا بعد التطورات التي شهدتها الاشهر السابقة والتي كانت بالغة السلبية بالنسبة الى معظم حلفاء سوريا؟

- تعمد بعض الجهات اللبنانية عدم اقفال مرحلة مؤلمة وبشعة من مراحل الحروب الاهلية وغير الاهلية في لبنان واستعمال هذه المرحلة سيفا مصلتاً فوق رقبة فريق لبناني مهم وذلك بغية الحؤول دون استعادته اهليته الكاملة وطنيا في صورة فعلية او بغية الحصول على مكاسب وتكريس مكاسب على حسابه وربما على حساب اخرين. والمرحلة المذكورة هي تعاون جهات مسيحية مع اسرائيل. وقد ظهر ذلك في وضوح عندما بدأ رافضو القرار الدولي 1559 يقولون ان من يقف معه من اللبنانيين سواء ضمنا او علنا انما يريد ان يحمي اسرائيل وأن يكشف لبنان. وهذا قول غير صحيح، علما اننا لسنا هنا في معرض تأييد هذا القرار او رفضه، لان الذين يتحدثون ايجابا عنه يرفعون شعار حماية المقاومة ويرفضون التضحية بها ويصرون على حل المشكلة التي يثيرها هذا القرار بالحوار معها وان استلزم ذلك وقتا ليس بالقصير ويتمسكون بتجيير قوة المقاومة الى لبنان الدولة بحيث يتكرس وفي صورة نهائية زوال مقولة “قوة لبنان في ضعفه”. ان عدم الاقلاع عن ابقاء “السيف” المشار اليه مصلتاً فوق رقاب جهة لبنانية معينة لا بد ان يعني حكما ان هناك اغراضا اخرى وراءه غير المعلن عنها. وذلك ليس في مصلحة لبنان. علما ان من صالح اسرائيل من الدول العربية “الاسلامية” استعاد موقعه المميز داخل الاسرة العربية والاسلامية رغم استمرار الخطاب القومي والايديولوجي الرافض او الرافض سلما استسلاميا معها. ولو فعل لبنانيون معينون ذلك او من غير لبنانيين للحقتهم لعنة الخيانة الى الابد.

-اصرار بعض الجهات اللبنانية على التحدث عن الحاضر والمستقبل بلغة الماضي. ففي موضوع الجيش مثلا تطرح اسئلة وربما تحفظات وخصوصا بعد “الزلزال” الذي شهده لبنان في الاشهر الماضية والذي اسفر عن تغييرات بل ربما انقلابات داخلية تتناول المؤسسة العسكرية اي الجيش ابرزها: السياسة الدفاعية «والمقصود هنا سياسة عربية مناهضة لاسرائيل ومتلاقية مع السياسات العربية الاخرى وخصوصا السورية». ولا نبغي من اثارة هذا الموضوع في هذه العجالة الترويج لتغيير السياسة الدفاعية وعقيدة الجيش اللتين بدأ تطبيقهما بعد اتفاق الطائف عام 1989. فهذا امر نهائي توافق عليه اللبنانيون. بل يبقى التساؤل اذا كان المقصود من ذلك ابقاء الجيش او بالاحرى جعله مؤسسة "ضامنة" لعروبة لبنان ولوحدته ولعلاقاته المميزة مع سوريا ولتضامنه مع العرب في كل شيء وخصوصا في الموضوع الفلسطيني، واذا كان ذلك هو المقصود فان كثيرين يمكن ان يفهموا منه وجود عدم ثقة بالنظام السياسي الديموقراطي اللبناني ورغبة في ابقاء حكم العسكر والاجهزة وان على نحو مقنع وفي القضاء على الديموقراطية ، واذا كان ذلك صحيحا فسيكون خطيرا جدا لانه يظهر استمرار انعدام الثقة بين المجموعات الشعبية المكونة للبنان واستمرار رهان بعضها على ابقاء قبضتها على الوضع عبر المؤسسة العسكرية. طبعا الجميع في لبنان يرفضون مؤسسة عسكرية مسيطرة كما يرفضون سياسة عامة لبنانية غير عربية. لكن مسؤولية ذلك تقع على عاتق السلطة السياسية التي يخضع العسكر لها وليس العكس. ولبنان ايا تكن السلطة التي تحكمه محكوم بحكم الطائف ومصالح شعبه تقضي بالتمسك بالسياسة اللبنانية – العربية.

في اختصار لا ترمي اثارة هذه القضايا الثلاث الى النفخ في نار العنف وعدم الاستقرار. بل الى دعوة الجميع الى التحلي بالمسؤولية والتخلي عن الباطنية والجهر بالمواقف والهواجس وان صعبة لان ذلك وحده يساعد على ايجاد الحلول لها. واذا لم يفعلوا ذلك سيضعون البلاد على سكة بالغة الخطورة وخصوصا في المرحلة الراهنة التي قد تكون حبلى باكثر من تطور ذي انعكاسات سلبية عليها، فهل يفعلون؟

مصادر
النهار (لبنان)