احتفلت قبرص التركية أمس بالذكرى ال31 ل“عملية السلام” التي قامت بها القوات التركية وانتهت الى السيطرة خلال أيام على القسم التركي من الجزيرة. اليوم، خلافاً للسنوات الماضية، وحتى مقارنة بالسنة الماضية، تعيش قبرص التركية أجواءً أكثر ارتياحاً. ففي العام الماضي نجح القبارصة الأتراك في قلب الصورة التي انطبعت عنهم من أنهم هم الذين يعرقلون الحلول المتعلقة بتوحيد الجزيرة. فأعطوا، بغالبية ساحقة، تأييدهم لخطة كوفي أنان، أمين عام الأمم المتحدة، فيما عارضها، وبغالبية ساحقة كذلك، القبارصة اليونانيون.

خرج القبارصة الأتراك من نتائج الاستفتاء بصورة الضحية، أيدوا التوحيد فبقوا خارج الاتحاد الأوروبي، فيما كوفئ القبارصة اليونانيون على رفضهم بضمهم الى الاتحاد.
منذ ذلك التاريخ، اتسع التعاطف والتضامن مع القبارصة الأتراك. الأوروبيون أقروا بعض المساعدات المالية “غير الكافية”، فيما كانت الخطوة الأهم من جانب الولايات المتحدة عبر زيارة لبعض النواب الأميركيين في رحلة جوية مباشرة الى شمال الجزيرة. وكان عنوان المرحلة التي تلت استفتاء أنان هو رفع العزلة الدولية على المنطقة التركية. ولعل النتيجة التي عاد بها رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان من زيارته قبل أيام الى أذربيجان هي الأهم. إذ شارك أمس رئيس لجنة الشؤون السياسية في البرلمان الأذري مع تسعة نواب أذريين في احتفالات “الاستقلال” القبرصية التركية، مع وعد من الرئيس الأذري إلهام علييف بتسيير خط جوي مباشر بين باكو وشمال الجزيرة. وعندما سئل أردوغان عن المبادرات الأذرية هذه قال: “إنها اعتراف فعلي بقبرص التركية”.

احتفالات الأمس عرفت كذلك مشاركة رئيس مجلس الشيوخ الباكستاني، فضلاً عن حوالى مئة مندوب من 33 دولة من منظمات وهيئات مختلفة. ما يلفت بالنسبة ل“خرق العزلة” عن قبرص التركية مشاركة إسرائيل في استثمارات بعدة ملايين من الدولارات قبل بضعة أشهر، في حين لم تنفع حتى الآن كل الجهود التركية لدى منظمة المؤتمر الإسلامي، وأمينها العام تركي هو أكمل الدين إحسان أوغلو، في حمل الدول الإسلامية على تغيير نظرتها ومقاطعتها للقبارصة الأتراك. لقد أوقفت أنقرة تعاونها العسكري مع إسرائيل في منتصف الستينيات لحظة وقفت الأخيرة مع اليونانيين ضد الأتراك في المسألة القبرصية. واليوم مع تغيّر الظروف الدولية، وخروج الكرة من الملعب القبرصي التركي، حري بالدول الإسلامية، ومنها العربية، أن تعيد النظر بسياساتها تجاه القبارصة الأتراك. فلا يتكرر خطأ التعامل مع تركيا، الآن مع قبرص التركية. فكل الدول المسلمة <<ساحة>> يجب أن تكون مفتوحة للتفاعل بين مجتمعاتها وقبرص التركية، تحتاج، وهذا مصلحة عربية أكيدة، ولا سيما في ظل حكومة أردوغان في أنقرة، لأن تشعر بأنها جزء من العالم الإسلامي وليست فريسة للمكائد الإسرائيلية الأميركية.

الذكرى ال31 للتدخل التركي في شمال قبرص، هي فرصة للعرب، القريبين جدا من الجزيرة، أن يتخلوا عن “إهمالهم” لجزء من “عالمهم”، ويكون ذلك في الوقت نفسه، رسالة إضافية الى حكومة العدالة والتنمية التي يستعد رئيسها، أردوغان، لاستقبال الرئيس بشار الأسد، رغم الضغوط الأميركية على تركيا وسوريا و... لبنان.

مصادر
السفير (لبنان)