صوَر المجابهة المتكررة بين المستوطنين وعناصر الشرطة والجنود في منطقة كيسوفيم، توضح جيداً المعضلة التي تواجهها سلطات القانون. متظاهرون قلائل نسبياً أرغموا مئات أفراد الجيش الإسرائيلي، الشرطة وحرس الحدود، ليل أول من أمس على القيام بعملية حثيثة وعلى وجه السرعة حتى يوقفوا تقدمهم باتجاه الجدار الفاصل بين إسرائيل والقطاع. يتعيّن فقط ان نُضاعف عددهم مقابل كمية الأشخاص الذين وصلوا أمس الى نتيفوت وأولئك الذين ينوون الوصول للمنطقة في الأيام المقبلة حتى ندرك حجم التحدي الذي يطرحه هؤلاء أمام قوات الأمن.

حتى اللغة التي يستخدمها قادة المستوطنين مخيفة. فمن يشعرون بالصدمة جراء تشبيههم بمن اختاروا سبلاً غير قانونية، يُسارعون من الناحية الأخرى الى القول بأن «إيقاف المسيرة الاحتجاجية سيؤدي الى العنف». على مجلس مستوطنات الضفة والقطاع أن يقرر: إما أن لا يكون أشخاص مثل يغئال عمير وأمثاله قد تأثروا مطلقاً من الاحتجاج المنظم، وأن الربط بينهم وبين أمثال يغئال عمير عبارة عن توجيه اتهامات جماعية وتحريض، وإما أن يكون الأمر يتعلق بالجمهور نفسه الذي سيتوجه نحو العنف إذا لم يُسمح له بالاحتجاج. فلا يمكن إمساك العصا من طرفيها. وحتى الآن، فإن قرار الشرطة بإيقاف النقليات المنظمة التي حشدها أنصار اليمين وهي في نقطة تجمعها هو خطوة غير ديموقراطية وخطأ عاماً صعباً.

الادعاء بأنهم عبارة عن أشخاص مُزمعون معاً على تنظيم مظاهرة غير قانونية، ولذلك يُسمح إيقافهم، يعتبر شداً قوياً لصلاحية سلطة القانون حتى آخر درجة. المظاهرة غير القانونية، هي مظاهرة يُسمح للشرطة بأن تقوم بتفريقها. هذا لا يعني أن من المسموح لسلطات القانون أن تمنع الناس بالقوة من الوصول إليها كتوجيه التهديدات للسائقين. ليس في ذلك مبرراً لتقييد حرية حركة آلاف الأشخاص الذين لا يوجد دليل على أنهم جميعاً ينوون التصرّف بصورة عنيفة وسد المنافذ أمام حركة الناس أو القيام بأي خطوة تبرر الأعمال الوقائية.

صوَر الحافلات الممنوعة من السفر، عززت الرسالة التي أراد المحتجون إيصالها. هي أبرزت السلطات بصورة المصاب بالهستيريا وأظهرت المتظاهرين باعتبارهم أشخاصاً عازمون على تجسيد حقهم في التنقّل والمستعدين حتى للسير مشياً حتى نتيفوت. هذه حماقة سياسية ولكنها ليست جوهر القضية.

فك الارتباط صودق عليه بقرار من الحكومة والكنيست، وعلى السلطات التنفيذية أن تبذل قصارى جهدها حتى تحقق ذلك. إذا كانت لديها مخاوف معقولة بأن يحاول الكثير من المشاركين في المظاهرة أن يتغلغلوا الى القطاع بوسائل غير مشروعة وحتى خطيرة، يتوجب عليها أن توقفهم ـ بما في ذلك عند مسافة معيّنة من الجدار من استخدام قوة معقولة وصلاحيات اعتقال ومعاقبة. إذا كان أحد ما يقوم بتنظيم مظاهرة من دون ترخيص، فالقانون ينص على صلاحيات بمعاقبته. ولكن منع الناس من السفر من كريات شمونة الى نتيفوت للمشاركة في المسيرة بعيد عن ذلك كثيراً.

ليس من الممكن عدم تذكّر الحالات الكثيرة التي اعتبر فيها الجيش الإسرائيلي مسؤولاً عن قرارات كان يتعيّن على الحكومة اتخاذها، بصفتها القائد الأعلى للجيش وفق القانون، وقُدم للمحاكمة الشعبية والسياسية بسببها. موشيه آرنس، وزير الدفاع السابق، أطلق على ذلك يوماً اسم “السياسيين الذين يختبئون وراء بزة الضباط”. الفرق الوحيد في هذه المرة يكمن في لون الزي: الأزرق “نسبة الى لون زي الشرطة” وليس الكاكيّ.

مصادر
يديعوت أحرنوت (الدولة العبرية)