شهدت العلاقات السورية الفلسطينية تطورا كبيرا منذ بداية هذا العام، إذ للمرة الثانية منذ انتخابه رئيسا للسلطة الفلسطينية، التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق، التي تحولت أيضا إلى قبلة لأكثر المسؤولين الفلسطينيين نفوذا في الساحة الفلسطينية.

إن عودة الدفء التي سرت في العلاقة الرسمية الفلسطينية السورية، دفعت المحللين للتساؤل عن الأسباب الكامنة خلفها. وفي حين رأى بعض القادة الفلسطينيين أنها علاقات تاريخية تشهد عليها العلاقات الأخوية الدائمة بين الشعبين السوري والفلسطيني، رأى آخرون أن الحصار الذي اصبحت تعاني منه سوريا، وازدياد الضغوطات الدولية التي تمارس عليها، منذ أن بدأت تفقد أوراقها الدولية والإقليمية المهمة، أي منذ إنهيار الحليف الدولي الأبرز لها، الاتحاد السوفييتي، وخسارتها لعمقها الإستراتيجي بالاحتلال الأمريكي للعراق، ونهاية دورها الإقليمي بعد خسارتها الورقة اللبنانية لأسباب مختلفة، فضلا عن أن بقية العلاقات السورية العربية ليست في أفضل أوضاعها سواء لتراجع التضامن العربي أو لتوترات في العلاقات الثنائية، إضافة إلى الإستراتيجية الأمريكية الصهيونية التي تستهدف تصفية المقاومة الفلسطينية، وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية، كل هذه التطورات الأخيرة أدت الدور الحاسم في ذلك.

لم تكن الملفات البارزة التي تناولتها القمة السورية الفلسطينية الأخيرة، سورية فلسطينية، بقدر ماهي فلسطينية فلسطينية، أي أن موضوع القمة تركز حول الجهود التي تبذلها السلطة في سبيل تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية والخطوات التي قطعتها والاجراءات التي قامت بها بما يعزز نضال الشعب الفلسطيني وصموده، من أجل تحرير أرضه واقامة دولته المستقلة. ذلك ان عباس اراد ان يلتقي جميع الفصائل ويحثها على المشاركة في حكومة وحدة وطنية في الداخل وتدارس استحقاقات ما بعد مرحلة الانسحاب الصهيوني من غزة المقرر في منتصف الشهر الجاري.

ومن الواضح أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس وصل إلى طريق مسدود، بعد أن تبخرت آماله من التسوية الأمريكية الصهيونية. فقد كان يعتقد أنه من الممكن أن تقود خارطة الطريق إلى إقامة دولة فلسطينية في حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية مع الاعتراف بمبدأ حق العودة للاجئين. ضمن اطار هذه المعايير وانسجاما مع القانون الدولي، ترك مجالا للتفاوض حول احتمال مبادلة الاراضي بنسب محدودة ومتوازنة من أجل الأخذ في الاعتبار وجود بعض المستوطنات الصهيونية ومنح اليهود الحق في دخول الاماكن المقدسة من دون اي عقبات اضافة الى تنفيذ مبدأ حق العودة مع الاهتمام بالمصالح الديموغرافية للكيان الصهيوني.

وهكذا وجدت السلطة الفلسطينية نفسها، ومنذ انتفاضة الأقصى، بحاجة ماسة إلى بعد عربي يتجاوز البعد الذي وفرته مصر والأردن. لا في شك أن دمشق كانت ولا تزال مختلفة مع التسوية الأمريكية الصهيونية، وهي تصر على التسوية النابعة من الإلتزام بقرارات الشرعية الدولية. وهذا ما جعلها تحتضن على أرضها جزءا مهما من فصائل المقاومة الفلسطينية ذات الثقل الشعبي والعسكري، والمتناقضة جذرياً مع خيارات السلطة بشأن سياسة التسوية. ومعروف أن القضية الفلسطينية كانت على الدوام قضية داخلية في سوريا، لذلك كان هناك من رأى وجوب إنهاء التشنج في العلاقة مع السلطة الفلسطينية والانفتاح عليها.

ومن هذا المنطلق، وفي ظل انسداد الطريق أمام الرئيس الفلسطيني، فإن استمرار التوتر في العلاقات بين الطرفين الفلسطيني والسوري لا يخدم القضية الفلسطينية. والواقع أن الانفتاح بين قيادات الداخل الفلسطيني وقيادات الخارج في ظل الانتفاضة، ترك أثراً حتى على العلاقات مع دمشق. والسؤال الذي يطرحه المحللون المعنيون بالصراع العربي الصهيوني، هو التالي:هل أسهمت زيارة عباس لدمشق واجتماعه مع قادة الفصائل في تبديد بعض الخلافات الفلسطينية الفلسطينية حول موضوع الوحدة الوطنية، والملفات الاخرى؟

* أولاً: لقد حققت دمشق مكسبا دبلوماسيا وسياسيا عبر قمة الأسد عباس، إضافة إلى مأدبة الغداء الرسمية بحضور قادة الفصائل الفلسطينية. فدمشق تريد القول للعالم وللولايات المتحدة ان ممثلي الشعب الفلسطيني على المستويين الرسمي والمعارض هم موضع ترحاب ليس فقط في دمشق وإنما في عواصم عربية أخرى. لذلك لا ينبغي مؤاخذة دمشق على إيوائهم لأنهم يمثلون الشعب الفلسطيني الذي يقوده اليوم ابو مازن.

* ثانياً: إن سوريا التي عملت على تشجيع ودعم الحوار الفلسطيني الفلسطيني بين الفصائل، وايدت النضال الفلسطيني واحتضنته من بداياته، ودعمت دور وكفاح منظمة التحرير والفصائل والقوى الفلسطينية كافة، تؤكد اليوم استعدادها للمساعدة على اجراء مزيد من الحوار البناء والهادف الى رص الصفوف والعمل المشترك، تحت مظلة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي هي الأساس والضمان لتحقيق الاهداف الفلسطينية المشروعة.

* ثالثاً: إن الوحدة الوطنية الفلسطينية التي تمثل صلة الوصل بين فلسطينيي الشتات وفلسطينيي الداخل، تعتبر حجر الأساس، لتحقيق اي انجاز وطني. بيد أن هذه الوحدة في ظل المأزق الإستراتيجي الذي وصلت إليه فصائل المقاومة الفلسطينية، تصطدم الآن بخيار ابو مازن الذي يعارض بشدة الإستمرار في نهج الانتفاضة المسلحة. فالعنف يمثل في نظره منذ زمن طويل خيارا غير مفيد وغير منطقي كأن يصار الى استخدام اضعف الاسلحة الفلسطينيية ضد الخاصرة الصهيونية الاقوى. ويروح يقارن بين فوائد العنف الهزيلة وتكاليفه الباهظة: إن الكيان الصهيوني نجح في رص صفوفه الداخلية وأصبح موحدا خلف شارون، واختارت الولايات المتحدة معسكرها المعادي للقضية الفلسطينية، أما المجموعة الدولية فقد ادارت ظهرها للفلسطينيين والسلطة الفلسطينية في حال انهيار.

فأي وحدة وطنية فلسطينية ستكون خشبة الخلاص للشعب الفلسطيني؟

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)