عندما زرت غزة واسرائيل قبل عدة اسابيع ادركت كم هي الدراما الدائرة في العراق قد ادت الى إحداث تغييرات مهمة في ربوع الشرق الاوسط‚

ودعوني اقولها بصورة فجة‚ ان الاحزاب السياسية في العالم العربي واسرائيل التي شكلت السياسات في هذه المنطقة من العالم منذ 1967‚ إما انها تحطمت او انها فقدت اي معنى لوجودها‚

الاحزاب الرئيسية التي تركت والتي لها طاقة داخلية وتماسك هي حماس وحزب الله والاخوان المسلمين والتي تتخوف من انه اذا ما انهارت الاحزاب العلمانية فانه سيتوجب عليها ساعتها ان تحكم وهي لا تملك اي اجابات لقضايا الوظائف والمجاري والكهرباء‚

باختصار فان العراق ليس البلد الوحيد في الشرق الاوسط الذي يحاول ويناضل من اجل كتابة عقد اجتماعي جديد وتطوير احزاب سياسية‚

نفس هذا الشيء يحدث الآن في لبنان واسرائيل ومصر وسوريا والاردن وغزة‚

مثل هذه التغييرات التي نشهدها الآن تحدث في العادة كل ثلاثين او اربعين عاما‚

كيف حدث كل هذا؟

العملية السلمية والهجرة الواسعة النطاق لليهود الى اسرائيل كانت مصادر الطاقة التي نفخت الحياة في حزب العمل الاسرائيلي‚ ولكن انهيار العملية السلمية ادى الى خسران ذلك الحزب لقوته‚في هذه الاثناء فان قرار آرييل شارون بالانسحاب من غزة بقرار احادي الجانب واستئصال المستوطنات اليهودية هناك قد ادى الى إحداث شقوق كثيرة في حزب الليكود الذي اقام شهرته لدى الناخب الاسرائيلي على التطرف والاستيطان‚

يقول الوزير الليكودي السابق دان ميريدور ان رؤية الليكود لايجاد اسرائيل الكبرى انهارت بسبب الديمغرافيا الفلسطينية والارهاب‚ كما ان رؤية حزب العمل للسلام انهارت مع فشل كامب ديفيد‚

الانتفاضة الفلسطينية كانت في جوهرها ثورة ضد الحرس القديم الفاسد في حركة فتح وضد اسرائيل معا ورد اسرائيل القوي عليها ادى الى تحطيم حركة فتح وأعاد بعث الحياة في رؤية «ثورة حتى النصر على الكيان الصهيوني»‚

يقول المشرع الاصلاحي الفلسطيني زياد ابوعمرو «ان فتح لم تتحول ابدا من حركة تحرير وطني الى مجتمع مدني»‚

حزب البعث العراقي تبعثرت اشلاؤه على يد الرئيس الاميركي جورج بوش‚ اما حزب البعث في سوريا ـ بسبب فقدان كاريزما حافظ الاسد ولبنان ـ فلم يعد لديه اي رصيد شعبي على الاطلاق‚

حزب الكتائب اللبناني وحركة امل الشيعية وغيرها من الاحزاب العرقية هناك اصبحت كلها تتمحور حول عدد قليل من الشخصيات‚ كما ان طروحات هذه الاحزاب اصبحت بالية مع ذهاب البعبع الاسرائيلي والسوري‚ الحزب الوطني الديمقراطي في مصر الذي من المفترض ان يشكل رأس الحربة في العملية الديمقراطية في العالم العربي لم يعد له اي جاذبية على الاطلاق لان المصريين ينظرون اليه على انه امتداد لنظام غير ديمقراطي‚‚تضخيم هذه الضغوط هو التغير الكبير الذي جاء من واشنطن‚ يقول المحلل السياسي الفلسطيني خليل الشقاقي «طالما ان واشنطن كانت سعيدة مع هذه الانظمة‚ فان ذلك وفر الاستقرار فقط‚ ولم يكن هناك اي ضغط خارجي للتغيير‚ الان ادارة بوش اتخذت موقفا اكثر جرأة وبالتالي فان توقعات الجمهور العربي بشأن الديمقراطية اصبحت اكبر‚ ولكن الاحزاب الموجودة لم تقم من اجل توفير الديمقراطية‚ وعليه اذا لم تظهر اي احزاب جديدة فان الفراغ الذي سيظهر سيتم ملؤه من قبل حماس او الفوضى»‚

التحدي الكبير بالنسبة لجميع هذه المجتمعات هو: هل يمكن اعادة بناء الاحزاب القديمة او بناء احزاب جديدة يمكنها ان تقوم بمهمة تنمية بلادها ـ من خلال جعل شعوبها اكثر تنافسية في زمن حققت فيه الكثير من الدول تقدما اقتصاديا هائلا مثل الصين والهند وايرلندا الشمالية‚ ومحاربة اسرائيل والغرب او تسوية مشكلة الضفة الغربية؟

هل يمكن ان يكون هناك حزب للبعث او فتح له طروحاته حول المنافسة والعلوم والبيئة؟

هل يمكن لحزب العمل او الليكود ان يدخل في نقاش جدي من اجل معرفة سبب وجود اسرائيلي واحد من كل خمسة يعيش تحت خط الفقر؟

يقول مروان المعشر نائب رئيس الوزراء الاردني الذي تعيش بلاده حاليا «عمرة شاملة»: لعقود كانت شعوب المنطقة مهتمة بالاحزاب السياسية التي تقدم التحرير الوطني‚ الآن لم تعد هناك تهديدات خارجية لدول المنطقة وانتقل التركيز بالتالي من التحرر الوطني الى التحرر الشخصي واصبح المطلوب مزيد من المساواة و فساد اقل ودخل افضل ومدارس افضل‚

الحكومات تتحدث بصور مختلفة‚ ولكن ما زال لدى شعوب المنطقة شكوكها تجاه كل ما تسمع‚ لقد سبق وان سمعوا الكثير من الكلام‚ اول بلد او حزب يقدم نتائج فعلية سيكون له تأثير كبير على كامل المنطقة لان كل شخص فيها يتطلع الى رؤية جديدة.

مصادر
الوطن (قطر)