عاصفة التقسيم والتجزئة التي تهب على المنطقة العربية‚ من قلب المشاريع الأميركية ـ الأوروبية‚ وتحت عناوين مبعثرة بين الفيدرالية والكونفيدرالية‚ أخذت تتصاعد بشكل مخيف في المرحلة الأخيرة‚ وبات يجري تصويرها وكأنها الحل الذي يصنع الاستقرار والتقدم‚

هذه العاصفة ضربت العراق‚ وها هي تنذر العراقيين بمزيد من الخلافات التي قد تنتج أنواعا جديدة من الصراعات‚ وها هي ايضا ـ أي تلك العاصفة ـ بدأت أخبارها تتحدث عن وصولها الى لبنان‚ فما يجري تسريبه‚ وبصورة متعمدة طبعا‚ يكشف عن مداولات بهذا الخصوص تدور بين باريس وواشنطن ولندن‚ وترحب بها بعض القوى المحلية في لبنان انطلاقا من تصورات مفادها ان حل المشكلة اللبنانية ـ اللبنانية يكون بإقامة نظام فيدرالي او كونفيدرالي بين الطوائف المسيحية والاسلامية‚ فيصبح لكل طائفة كيان‚ دويلة‚ ويتعايشون ضمن الوطن الكبير لبنان‚

حقيقة الأمر ان لبنان يعيش فيدرالية طائفية منذ العام 1920‚ لكنها فيدرالية مقنعة تحت مظلة الدولة الواحدة‚ وهذه ايجابية ولو محدودة‚ كونها تبقي الابواب مفتوحة امام بناء دولة جديدة ذات طابع مدني وطني‚ اما الآن وفي ظل العاصفة التقسيمية التي تضرب المنطقة‚ فالخوف الشديد هو ان يجري اقفال هذه الابواب بالجنازير الفيدرالية تحت شعار اعطاء الحقوق للطوائف‚ ومنع الحروب الداخلية‚ وكأن الوطن لاحق له‚ وكأن الوطنية لا مكان لها‚

لم نعلق في الاشهر القليلة الماضية‚ على مثل هذه التسريبات التي نسمعها تباعا من الدبلوماسيين والصحفيين الاجانب الذين يستفسرون دائما عن كيفية بناء العلاقات بين الطوائف في لبنان‚ وموقع هذه الطوائف في لعبة الشرق الاوسط‚ غير ان التقاء هذه التسريبات مع بعض الدعوات اللبنانية الى اعادة النظر في اتفاق الطائف‚ جعلنا كمراقبين نلاحظ اشارات خطيرة تظهر بشكل تصاعدي يمهد لتحويل فكرة الفيدرالية الى فكرة سياسية جدية‚ رغم ان اتفاق الطائف يشدد على الوحدة الوطنية‚

الموضوع اللبناني بهذا المعنى يصبح موضوعا عربيا‚ لا لبنانيا فقط‚ فما يجري في العراق‚ يراد له اميركيا واوروبيا ان يستكمل في لبنان‚ واذا نجح ذلك فأين يصبح العرب جميعا؟.

مصادر
الوطن (قطر)