لسنا بحاجة لمن يقنعنا بأن كوندليزا رايس ستضمن سلامة لبنان، فحتى اليوم شاهدنا من هذه الضمانات ما يكفي لإحراق الشرق الأوسط ... ما يحتاج إلى تأكيد هو تعريف هذه السيادة، أو إعادة فهمها مع رحلة "البغض" التي بدأت قبل أشهر ليس ضد سورية، بل أيضا ضد زمن متكامل منطلقة من افتراض أن المعادلة اللبنانية قائمة بذاتها.

لم تنتقص سيادة لبنان يوم اجتاحها الجيش الإسرائيلي، وبقيت هذه السيادة حتى عندما أصبح لبنان تحت ظل الانتداب، لأن السيادة لا تتجلى بسيل الاتهامات والشتائم بل معرفة ماذا يريد لبنان وكيف يحققه.

رحلة "البغض" التي تسير مع صياغة مفهوم السيادة كانت تعني انتقاص سيادة الآخر ... والعودة لقانون القبيلة في الانتقام .. وانتقاص السيادة تتجلى في المساومات السياسية، وانطلاق رموز الحرب إلى شعارات الديمقراطية.

ورحلة "البغض" المفتعلة مع دمشق لا تقنعنا بخروج "مليون" إلى الساحات العامة، كما أن خروج مليونا آخر لشكر سورية صورة متوقعة، رغم أن ديبلوماسية "الشكر والعرفان" لم تكن في حساب السوري الذي تنافست الفضائية في اقتناص الشتائم ضده من السياسيين أو غير السياسيين.

ربما علينا التأكيد أن ضمانة سيادة لبنان لا يتحقق بالتحليلات النارية، أو بتخصيص حملات إعلامية تراهن على الحدث السياسي، فالحرب اللبنانية تفجرت على هذه الرهانات، ونقص السيادة هو الاكتفاء بظل الحدث.

ربما انتهت أزمة الشاحنات التي تمثل لغة واحدة تم استخدامها في الحملات الإعلامية، لكن بداية انفراجها لم يشكل حتى اللحظة نهاية التشكيك بسورية والسوريين. ولم يشكل بالنسبة للمجتمع السوري أيضا نقطة تصور جديدة تبشر بأن محاولات اللعب على الحدث السياسي يمكن أن تنتهي.

ما الذي تريده بعض التيارات السياسية في لبنان من سورية؟ هذا السؤال سيبقى عالقا مادام الحملات الإعلامية تعتبر أن حربها بدأت ولن تنته ... ومادام الرهان على المجهول السياسي والاجتماعي قائما .. لكن في النهاية فإن سيادة لبنان كما تفترضها التصريحات يجب أن تعرف أن هناك سيادة أيضا للآخرين.