الازمة التي تعيشها العلاقة اللبنانية ـ السورية تحتاج الى اكثر من المحادثات التي اجراها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة مع المسؤولين السوريين الكبار في دمشق التي زارها أمس الأول لأن الشوائب بل الانتهاكات التي تعرضت لها منذ ما قبل وقوع جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري زعزعت اركانها الى حد ان البعض راح يطالب بإلغاء الاتفاقات الثنائية المعقودة بين البلدين في إطار معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق المنبثقة مما نص عليه إتفاق الطائف لجهة تنظيم العلاقة اللبنانية ـ السورية.

فالسوريون الذين رفعوا دائما الشعار القائل بأن "أمن لبنان من أمن سورية" وعملوا كي لا يكون لبنان خاصرة "رخوة" لسورية، يشعرون اليوم بعد انسحابهم العسكري منه أنه بات يشكل مصدر خطر على سورية يضاف الى المخاطر والضغوط الدولية التي تتعرض لها في هذه المرحلة، وهم لا يفصلون الحملات الاعلامية والسياسية التي تشنها ضدهم بعض الجهات في لبنان عن سياق هذه الضغوط.

بعض الذين تسنى لهم الاطلاع على أجواء زيارة السنيورة لدمشق ونتائجها يؤكدون ان هذه الزيارة "لم تكن فاشلة وفي الوقت نفسه لم تكن ناجحة"، وان الرجل "حقق نتائج في الشكل ولم يحقق نتائج في المضمون" لأن مشكلة دمشق هي "مع الاصيل وليس مع الوكيل" أي ان المشكلة ليست مع الرئيس السنيورة وإنما هي مع من يمثل، أي زعيم تيار "المستقبل" النائب سعد الدين الحريري الذي لم يحصل بعد أي إتصال مباشر بينه وبين القيادة السورية منذ استشهاد والده في 14 شباط الماضي. وحسب هؤلاء المطلعين فإن مأخذ دمشق على "الاصيل" أي سعد الحريري هو انه اسير بطانته، وهي تسأل هل ان الحريري سيبقى أسير من حوله ام انه سيتصرف كرجل دولة؟"

ويقول هؤلاء المطلعون ان دمشق تعاملت مع السنيورة اثناء محادثاتها معه أمس الأول على اساس انه "الوكيل وليس الاصيل" على رغم تقديرها له كرجل عروبي، وقيل ان الرئيس السوري الدكتور بشار الاسد خاطبه قائلاً خلال لقائهما بعدما اجلسه الى يمينه إظهاراً لتقديره له : "نحن نثق بك فأنت عربي أباً عن جد، ونريد للعلاقة معك ان تكون وثيقة وان تستمر ونحن إخوة ولا فارق بيننا ونحن مستعدون للمساعدة ولا عودة الى الماضي". وابدى الاسد سروره بما ورد في البيان الوزاري حول العلاقة اللبنانية ـ السورية وما يجب ان تكون عليه ولجهة التأكد بأن أمن لبنان هو من أمن سورية وبالعكس وان لا يكون ممراً او مستقراً لأي جهة تهدد أمن سورية. وفي خلال اللقاء خاطب الاسد رئيس الحكومة السورية ناجي العطري داعياً إياه الى إعطاء التعليمات اللازمة لفتح الحدود السورية اللبنانية "في القريب العاجل" بما ينهي الازمة القائمة عليها.

ويعتقد المطلعون انفسهم ايضاً ان زيارة السنيورة ادت الى تنفيس الاحتقان عبر حل ازمة الحدود، بدليل ان المعابر الحدودية فتحت أمس امام طوابير الشاحنات المنتظرة منذ اسابيع، الامر الذي لن تكون هناك حاجة للبحث فيه ثنائياً او حتى في اطار القمة العربية الطارئة التي تأجلت أسبوعاً أمس نتيجة وفاة العاهل السعودي الملك فهد. ويقول هؤلاء ان الجانب السوري الذي استجاب مع ما طرحه السنيورة خلال المحادثات اكثر مما كان يتوقع إنما وضع ضيفه اللبناني تحت الإختبار لمعرفة مقدار "مونته" على "موكِّله"، أي تيار "المستقبل" وتحالف الاكثرية النيابية الذي اوصله الى سدة رئاسة الحكومة، كذلك معرفة مدى استعداده للإلتزام بما اتفق عليه خلال المحادثات بعيداً عن أي مؤثرات من هذا التحالف او غيره.

غير ان بعض الذين التقوا السنيورة بعد عودته من دمشق نقلوا عنه ارتياحه وتفاؤله بنتائج محادثاته مع القيادة السورية مشيراً الى ان المسؤولين السوريين كانوا "ودودين" معه وقال أنهم بدأوا رسميين ولكنهم بلغوا "قمة الود" في لقائه مع الرئيس الاسد الذي توج نتيجة ثلاث ساعات من المحادثات بينه وبين نظيره السوري محمد ناجي العطري وتم خلالها الاتفاق على ان كل الإتفاقات الثنائية يمكن إعادة النظر فيها من قبل الطرفين.

ويقول زوار السنيورة ان ان الجانب السوري اثار في بداية المحادثات ما تتعرض له سورية من حملات في بعض وسائل الاعلام ومن ضمنها وسائل إعلام تيار "المستقبل" و بعض الاقلام الاعلامية، كذلك اثار قضية المفقودين السوريين في لبنان الذي حدد عددهم بـ 795 مفقوداً، وما تحدث عنه الاعلام السوري عن إجتماع لقيادة الاخوان المسلمين في سورية مع جهات لبنانية في بيروت والشمال. وحول هذا الموضوع الاخير اكد السنيورة ان لاعلم له ولا للأجهزة الامنية به، فوعده العطري بتزويده الوثائق والوقائع اللازمة. ام في ما يتعلق بالحملات الاعلامية فقد اكد السنيورة للجانب السوري ان الازمة القائمة على الحدود تعطي مادة لهذه الحملات ووللأقلام التي تكتب ضد سورية ولذا ينبغي أن تعالج هذه الازمة سريعاً بما يوقف هذه الحملات.

وفي معرض رده على مخاوف ابداها البعض امامه بعد عودته من ان دمشق "سوف تخفف من حدة الازمة على الحدود لتمرير مؤتمر القمة العربية بما يجنبها أي شكوى عربية في هذا المجال، على ان تعود الى تصعيد هذه الازمة بعد إنتهاء اعمال القمة"، يقول السنيورة ان ليس لديه ما يدعو الى التشاؤم او الى الاعتقاد بأن سورية ستخل بما اتفق عليه خلال المحادثات " فهي لم تضع شروطاً بوقف الحملات او أي شيء آخر تشكو منه لبنانياً مقابل فتح الحدود، بل على العكس فقد أظهر المسؤولون السوريون كل الود، ولو كانوا يرغبون في بقاء الازمة او تصعيدها لما كانوا حددوا موعدا لزيارتي الى دمشق. ولذلك ليس لدي ما يشعرني بأن الازمة ستتجدد بعد القمة العربية".

في أي حال، فإن السنيورة يوجز ما عاد به من دمشق بأنه إتفق مع الجانب السوري على ان تعالج الاشكالات او المشكلات التي تواجه العلاقة اللبنانية ـ السورية من خلال المؤسسات المشتركة وفي مقدمها المجلس الاعلى اللبناني ـ السوري المنبثق من معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق المعقودة بين البلدين، وبعد ان فُتِحَت الحدود امس ستجرى إتصالات بين بيروت ودمشق من أجل الاتفاق على تحديد موعد لإنعقاد هذا المجلس.

مصادر
صدى البلد (لبنان)